لا عجب في زمن العجب

لا عجب في زمن العجب

18 اغسطس 2015
+ الخط -
على الرغم من أنه لا عجب، في هذه الأيام، من أي شيء، فكل شيء يدعو إلى العجب حدث أو يحدث، إلا أننى كثيراً ما أتعجب من كم النفاق والازدواجية الذي تغرق فيه الحالة المصرية، والخطاب الرسمى المصري. 

قبل أيام، أعلن وزير الخارجية سامح شكري أن العلاقة المصرية الأميركية استراتيجية، ومتينة، وتاريخية؛ ولن تتأثر بأي شيء، وأن اعتراض بعض النواب الأميركان على حالة حقوق الإنسان في مصر، ومطالبتهم بربط المعونة الأميركية بالتقدم في ملف حقوق الإنسان، رأي شخصي لهم، ولا يعبر عن وجهة النظر الرسمية الأميركية. لكن هذا التصريح العنتري لشكرى يتناقض مع تصريحات سابقة، معظمها غير رسمي، أن أميركا هي العدو الأكبر، وتقود التحالف الكوني بين كل الكواكب في كل المجرّات، من أجل التآمر على مصر وعلى عبد الفتاح السيسي، فالسيسي هو مصر، ومصر هي السيسي. وتجد السيسي نفسه عندما يتحدث عن أعداء مصر، والدول المتآمرة الشريرة، لا يذكر أسماء دول بعينها، ودائما يتحدث عن متانة العلاقات التاريخية في أثناء زياراته الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، مثلاً، أو عند مقابلة ممثليهم. في حين أنك ستجد كل وسائل الإعلام الرسمية، والخاصة، وكل المسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين، وكل الخبراء الاستراتيجيين (السريحة) يتحدثون عن مؤامرات أميركا، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، وغيرهم.

وكل ما نعانيه من إخفاقات في جميع المجالات، في عهدي حسني مبارك وخليفته السيسي، ليس بسبب الفساد، والعشوائية، وسوء التخطيط؛ بل بسبب مؤامرات هذه الدول المتآمرة على مصر.
أما عند طلب المعونات العسكرية والمساعدات، فهذه الدول نفسها صديقة، وتربطنا بها روابط تاريخية وثيقة، واحترام متبادل. أما عندما يتم الحديث عن حقوق الإنسان، والحريات التي تنتهك، أو يتم الحديث عن ربط التمويل الأجنبي الذي يحصل عليه الجيش والحكومة، مساعدات وتدريبات، بالتقدم في ملفات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ستجد خطاباً صريحاً، غير رسمي، أو تلميحات رسمية بأن هذه الدول المانحة، هي الشيطان الأكبر. أتعجب، أيضاً، من الازدواجية في الخطاب الحكومي الرسمي، وبين غير الرسمي حول ثورة 25 يناير، أو الشباب الذين كان لهم دور رئيسي فيها، فالخطاب الرسمي، أحياناً، يتحدث بإيجابية عن ثورة يناير، والسيسي نفسه كثيراً ما تحدث بشكل جيد عنها، لكن "اللي في القلب في القلب"، فعملياً ستجد كثيراً من ممثلي السلطة يلعنونها سراً وعلانية.
ومن الطبيعي أن تجد كل يوم من يكتب، أو يتحدث، عن المؤامرات الكونية التي حدثت في 25 يناير 2011، بل إن الأجهزة الأمنية التى تحكمنا الآن، مثل أمن الدولة والمخابرات العامة، والحربية، تعتبر أن شباب الثورة أخطر من داعش والإخوان المسلمين، مهما كانوا ليبراليين أو يساريين أو ضد العنف، بل من الطبيعي أن تسمع، أو تقرأ، بين حين وآخر، عن توصيات من هذه الأجهزة تنصح السيسي بعدم الانصياع للضغوط الداخلية، قبل الخارجية، وآراء مقربين تزعم أن توحيد الجبهة الداخلية ضد الإرهاب يتطلب الإفراج عن الشباب.
الأجهزة الأمنية، وربما السيسي نفسه، يعتبرون أن مجرد المعارضة بالكلمة، أو انتقاد الفشل، والفساد، والأخطاء المتكررة له، نوع من الإرهاب أخطر من إرهاب داعش والقاعدة. 
أما عن السيسي نفسه الذي قال يوما لشيوخ الأزهر إن الله سيسأله عن التأخر في تجديد الخطاب الديني، فقد نسي أن الله سيسأله أيضا عن المقتولين ظلماً، والمحبوسين ظلماً، وأن الله سيسأله أيضاً عن ضحايا الفساد وغياب العدالة وغياب القانون وغياب الشفافية، سيسأله الله أيضاً عن ضحايا الطرق، وضحايا النهر والبحر، وضحايا الإهمال وغياب القواعد والمعايير عن أي شيء في مصر.
تناسى السيسي أن الله سيسأله أيضاً عن الخطاب المزدوج، وعن الكذب والتضليل، وأيضاً عن انتهاكات حقوق الإنسان. أما السيسي نفسه فلا يعنيه شيء مما سبق، فهو يعتبر نفسه مرسال العناية الإلهية، هو المنقذ وكفى بها نعمة، الطبيب الذي يخبر الناس عن المرض، وهو المهندس، وهو المعلم والحارس، هو الذي تخاطبه السماء، وترشده وتوجّهه في كل خطواته. ولذلك، هو المنزه عن الخطأ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أتعجب أكثر من غض الطرف عن استغلال الدين، والمشاعر الدينية في الخطاب السياسي الرسمي طوال الوقت. وأرى أن غض الطرف عن استغلال السيسي المشاعر الدينية في خطاباته طوال الوقت، هو أسوأ أنواع النفاق والازدواجية، المعتادة من السيسي، أو النفاق وازدواجية ممن كان يدعي الليبرالية أو العلمانية، فالمفروض أن المبدأ واحد، ولا فرق بين استغلال محمد مرسي الدين في الخطاب السياسي واستغلال السيسي الدين في الخطاب السياسي. ولكن، لا عجب في زمن العجب، ولا عجب من الازدواجية، والنفاق في عهد السيسي.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017