من حرب المدن إلى حرب الحركة

من حرب المدن إلى حرب الحركة

22 يوليو 2014

مقاتل في الثورة السورية في حلب (يوليو/2014/الأناضول)

+ الخط -

ما أن سمع ملاحظتي بشأن بقاء خطوط إمداد النظام السوري مفتوحةً طوال فترة صراعه ضد الشعب، حتى قال، بخبرته العسكرية الطويلة: لم يكن من الجائز أن يكون لمعركة الجيش الحر أي موضوع، غير قطع طرق إمداد النظام. حين أضفت: وتعطيل مراكز التوجيه والسيطرة لديه، وتدمير مستودعات ذخيرته ووقوده، قال: من الأسهل قطع خطوط إمداده، لكونها تخترق مناطق خالية من السكان، تصلح لنصب الكمائن وتنفيذ إغارات ناجحة، أو مناطق كثيفة السكان، تصلح للقيام بمختلف أنواع الهجمات، بواسطة المواطنين أو وحدات سريعة الحركة، تضرب وتختفي.
لكن، ما حدث كان غير ذلك، فقد مون النظام جيشه وأمده بالذخائر والأسلحة طوال فترة الصراع، مع أن بلادنا تتمرد بأسرها عليه، ويحمل عدد هائل من أبنائها السلاح ضده، ويقاتله في كل مكان، لأنه لم يترك لهم خياراً آخر، بعد أن أنزل بهم قدراً من الأذى، يجعل من المحال تعايشهم معه، أو امتناعهم عن حماية أنفسهم منه، بكل وسيلة وطريقة.
واليوم، والمعركة تتحول أكثر فأكثر إلى معركة طرق إمداد، يتساءل المرء عن السبب في بقائها مفتوحةً أمام قواته طوال معظم فترة الصراع؟
أعتقد أن السبب يعود إلى "حرب المدن" التي اختارتها المقاومة، أو فرضت نفسها عليها، وأخضعتها لمحدودية مكانيةٍ، وتناثر عملياتي ولامركزية قيادية، بلغت قدراً من التبعثر، يصعب تحقيق انتصار نهائي في ظله. في حرب المدن، لم تكن هناك حاجة إلى قطع طرق إمداد النظام، ما دامت معاركها تدور داخل حدود المدن، وحول شوارعها وأزقتها. بهذا الوضع، امتلك جيش النظام حرية حركةٍ مطلقةٍ، وانتزع زمام المبادرة، وألزم المقاومة بقتالٍ موضعيٍّ، دار في مواقع مبعثرة، أدى ارتباطها بها إلى تشتيت قواها، وحال دون نشوء قيادات مركزيةٍ، أو موحدة لها، فتحرك هو وهاجم وحدد طبيعة المعارك، بينما بقيت هي سلبية، سجينه ردود فعل جزئية ودفاعية.
بعد دمار معظم مدننا، وعقد هدن مع النظام، أدت إحداها إلى إسقاط حمص، بانت نهاية حرب المدن، ووجدت المقاومة نفسها مكرهةً على خوض حرب حركةٍ، موضوعها طرق الإمداد، وبدأنا نشهد معارك حولها، كمعارك مورك وخان شيخون، حيث نجح عدد محدود من المقاتلين في قطع جيش الأسد عن مصادر تموينه وتذخيره، ومنعوه من تلقي إمداد منظم أو كثيف.
بفشل حرب المدن الوشيك، مع سقوط دير الزور في يد داعش، وتقدمها بصحبة جيش النظام نحو حلب، تنتقل المقاومة إلى حرب الحركة، خياراً يقيها الهزيمة النهائية. لكن، هذه الحرب ستفشل بدورها إذا لم تقدها هيئة أركان موحدة وخبيرة، تبني جيشا موحداً ومدرباً، هي اليوم قضية الثورة المركزية التي يعني إهمالها، أو إضعافها، أو وضعها في أيدي جهلة يربطونها برهاناتهم الشخصية، فشل حرب الحركة بعد حرب المدن، وهزيمة الثورة.
هل يعي من يتلاعبون بالائتلاف والأركان والجيش الحر هذا، أم أنهم يعرفون ما يفعلونه، ويفعلونه، لأنهم يعرفون نتيجته النهائية: هزيمة الثورة؟ 

دلالات

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.