هل تنجح خطة دي ميستورا؟

هل تنجح خطة دي ميستورا؟

14 نوفمبر 2014

المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في دمشق (11نوفمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

منذ توقف مؤتمر جنيف 2، منتصف فبراير/شباط الماضي، دخلت العملية السياسية في سورية في سبات تام، ولم يعد أحد من أطراف الأزمة، ولا من الأطراف الإقليمية والدولية، يتحدث عن الحل السياسي، ثم جاءت التطورات في العراق وشمال سورية على يد داعش لتعمق هذا الاتجاه، وتقضي على كل أمل في إطلاق مسار سياسي جديد، لمصلحة مكافحة الإرهاب.

ولكن، فجأة بدأنا نسمع من المبعوث الأممي إلى سورية، دي ميستورا، عن مبادرة لوقف العنف، أو ما تسمى بالمناطق المجمدة، تمهيداً لإطلاق عملية سياسية جديدة، ما الذي حصل؟ وما المعطيات التي تدفع دي ميستورا إلى إطلاق مثل هذه المبادرة التي تبدو مستحيلة التحقق، لا سيما أنها تأتي في المرحلة الأشد تعقيداً منذ بدء الأزمة السورية؟

يبدو أن الرجل، وبعض صناع القرار الدوليين، أدركوا أن استمرار العنف والأزمة الإنسانية في سورية لا يجب أن يستمرا إلى ما لا نهاية، لا سيما مع وجود داعش وطبيعة الواقع الميداني الذي صنعته، كما أدركوا أن محاربة التنظيم في سورية تتطلب أكثر من القصف الجوي، ولعدم وجود قرار بتدخل عسكري دولي بري، اتجهت الأنظار إلى إمكانية تشكيل تحالف من القوى العسكرية على الأرض، لا سيما القوى المعتدلة وقوات النظام معاً، لمحاربة التنظيم، لكن مثل هذه التحالفات لا تكون بلا ثمن سياسي.

أهمية المبادرة أنها تبدأ من الأرض، وليس من المستوى السياسي، كما كان الحال مع الأخضر الإبراهيمي في "جنيف 2"، حيث أثبتت التجربة فشلها مع وجود خلافات حادة حول مصير الرئيس، بشار الأسد، من جهة، وفشل الائتلاف الوطني في تمثيل معظم المعارضة السياسية والقوى المقاتلة من جهة ثانية، وليس مصادفة أن تعلن واشنطن عدم اعترافها بالائتلاف الوطني ممثلاً وحيداً للشعب السوري في هذه المرحلة.

ليست مبادرة ميستورا وقفاً لإطلاق النار الذي يكون، عادة، وفق شروط واتفاقيات محددة، لا يجوز اختراقها، كما أنها ليست مقدمة لإنشاء مناطق عازلة، وفق ما تطالب به المعارضة منذ زمن، ولا هي شبيهة بمصالحات يقوم بها النظام في بعض المناطق، وتنتهي بسيطرته عليها، وإن كان يحاول أن يدفع مبادرة ميستورا نحو صيغة تشابه صيغة المصالحات التي ينفذها، وهو ما عبرت عنه صحيفة الوطن السورية التي عرفت المبادرة، وفق القاموس السوري، حين كتبت، إن المبادرة تهدف إلى تجميد العمليات القتالية، من دون ضمانات مكتوبة تتيح للراغبين في إلقاء السلاح، أن يفعلوا ذلك، أو أن يغادروا المناطق المتفق عليها، أو حتى أن يسلموا أنفسهم وسلاحهم للسلطات المحلية.

تهدف المبادرة فقط إلى الحفاظ على الوضع الميداني بين القوى المعتدلة والنظام، إنها محاولة لترجمة التوازن العسكري القائم إلى حل سياسي مستقبلي، وهذا سر قوتها، غير أن اختيار حلب نموذجاً لتطبيق الخطة قد يقضي على هذه المبادرة، حيث ترفض بعض الكتائب، كألوية فجر الحرية وجيش القصاص وجيش المجاهدين والجيش الحر، اختيار حلب بسبب الواقع الميداني غير المستقر فيها، ويطالب الجيش السوري الحر باختيار المناطق المحررة لتطبيق خطة المبعوث الأممي، كالقنيطرة مثلاً، والغاية من ذلك تثبيت الواقع القائم هناك، خوفاً من متغيرات مستقبلية.

في المقابل، يتحفظ النظام على حلب التي يسعى إلى السيطرة عليها، بفرض حصار على المدينة، وقطع خطوط الإمداد، وصولاً إلى فرض تسويةٍ، تؤدي إلى خروج الفصائل المسلحة منها، وتسليمها للنظام، على غرار ما حدث في حمص.

ولذلك، اتجهت وسائل إعلام النظام إلى توجيه اتهامات مبطنة لميستورا، لاختياره مدينة حلب نموذجاً لخطته، واتهمته بتبني أجندات دول إقليمية ودولية، لا ترغب في سقوط المدينة في أيدي النظام، وهو ما عبرت إيران عنه، قبل أيام، على لسان علي أكبر ولايتي، مستشار مرشد الثورة، حين دعا ميستورا إلى الحفاظ على استقلاله وعدم الرضوخ للضغوط، حتى لا يكون مصيره كمصير سابقيه.

في كل الأحوال، لن يقبل النظام بتثبيت الواقع الميداني في حلب، كما هو اليوم، ولن يسمح للمبعوث الدولي برسم خطوط وقف إطلاق النار هناك. وتقوم خطة النظام على ثلاثة أسس، تحقيق إنجازات عسكرية في حلب قبيل تطبيق مبادرة ميستورا، ما يمنح النظام اليد الطولى في المدينة ومحيطها، الإصرار على تطبيق القرارين الدوليين 2170 ـ 2178 حول محاربة الإرهاب، ربط أي تسوية سياسية بتطورات الميدان. لكن، لن يرفض النظام المبادرة لكي لا يتهم بعرقلة مساعي السلام، ولأن المبادرة تقدم له الفرصة التي يتمناها، للدخول في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، والأهم أن النظام يعول على فشل مشروع ميستورا من الفصائل المقاتلة في المدينة، وعددها نحو خمسة عشر فصيلاً، مرتبطين بمحاور إقليمية متنوعة.