ضحايا فوضى السلاح

ضحايا فوضى السلاح

20 ديسمبر 2014
+ الخط -

أحداث عديدة مرت على الفلسطينيين هذا العام، طالت جميع مفردات ومصطلحات الشأن الفلسطيني، من الاستيطان، والدولة الفلسطينية الموعودة في الأمم المتحدة، إلى انتفاضة القدس، إلى الأسرى والمعتقلين.. لكن، من جملة تلك المفردات سلاح الفوضى العشوائي وضحاياه في المخيمات الفلسطينية في لبنان، إنهم شريحة منسية في زحمة الملفات الفلسطينية.
وقعت أمام ناظري، منذ أيام، نشرة محلية توزع في المخيمات لإحدى الفصائل الفلسطينية، تعنى بالشأن السياسي والاجتماعي، ومن جملة ما قرأت، أن مخيم عين الحلوة في لبنان سجل نحو خمسين إصابة بالسلاح عن طريق الخطأ هذا العام، تراوحت بين قاتلة وخطيرة ومتوسطة، إنه رقم كبير، كيف يمكن احتماله؟
وقد أثار ذكر هذا الموضوع مقتل طفل فلسطيني في المخيم نفسه عن طريق الخطأ بسلاح أبيه.. نعم سلاح والده في المنزل، وهذا يطرح جملة تساؤلات عن فوضى السلاح.
للسلاح في المخيمات الفلسطينية ظروفه وأسبابه، فهو متجذر تاريخياً بتجذر الفصائل الفلسطينية في لبنان، وكذلك تتجذر فيه الفوضى في استخدامه، فالسلاح داخل المخيمات متوفر للجميع، الفصائل وغيرها، ويكاد لا يوجد بيت في المخيمات الفلسطينية خال من السلاح، "فالسلاح زينة الرجال".
لإطلاق النار في المخيمات الفلسطينية عدة مناسبات، منها ما هو رياضي واجتماعي وأمني، فعندما تفوز دولة ما بكأس العالم، أو كأس أوروبا، تطلق النيران ابتهاجاً، وعند نجاح الأبناء في الشهادة الرسمية، وعند الخلاف، ولأتفه الأسباب، وعند نهاية العام تطلق النيران أيضا.
وعلى الرغم من وجود اللجان الأمنية المعنية بضبط الأمن، والمشكّلة من معظم الفصائل الفلسطينية، والتي تلاحق وتتخذ الإجراءات اللازمة، إلا أن حالات القتل الخطأ، أو عن عمد عند حدوث النزاعات لم تتوقف.
أذكر منذ سنوات، كيف أن عائلة وأبناء فقدوا والدتهم في مخيم برج البراجنة في لبنان بالقتل الخطأ عن طريق إطلاق النار ابتهاجاً بنهاية العام. بدأت هذه العائلة عامها الجديد بفاجعة، وبالتأكيد، كالعادة لم يعرف من المجرم، فعشرات يطلقون الرصاص في الهواء، ومنذ شهر تقريباً، حدث خلاف شخصي في المخيم نفسه تحول إلى عشائري، أدى إلى إطلاق نار عشوائي، ما تسبب بنشر حالة ذعر ورعب في أوساط المخيم، فأخليت الطرقات، والتزم الناس بيوتهم حتى أنهم لم يستطيعوا الخروج لأخذ أولادهم من المدارس.
وفي مخيم شاتيلا منذ سنوات تسبب إطلاق نار عشوائي بسبب خلاف أدى إلى فقدان رب عائلة لا يعرف من الشارع إلا العمل والمنزل، قتل عندما بدأ إطلاق النار أسفل منزله، فأصابته قذيفة "آر بي جي" من شباك منزله.. نعم لن تصدقوا.. قذيفة "آر بي جي".
لمن يعرف المخيمات الفلسطينية، ولمن لا يعرفها، إنها مخيمات شديدة الاكتظاظ بالسكان، تتزاحم فيها الأبنية وتتداخل، ليس في المخيم شوارع بل أزقة، أزمات تبدأ ولا تنتهي، من نقص المياه والانقطاع الطويل للكهرباء، والبنية التحتية المهترئة، وآخر فصول هذه المأساة، فوضى السلاح.
والسؤال من المسؤول عن نشر هذا السلاح عشوائياً؟
إنها في البداية الفصائل الفلسطينية التي تنشر السلاح بين محاربيها، ولا تضع وازعا أمام استخدامه لنزاعات شخصية، وإطلاق النار في مناسبة وغير مناسبة، وإنها ثقافة توفر سلاح في كل منزل في المخيم، وبين أيدي الشباب، والسؤال إلى متى تغيب ثقافة ضبط السلاح؟ فالحل ليس أمنيا فقط.
تبدأ المسؤولية الحقيقية عند الأبوين المسؤولين عن زرع بذور خطورة اقتناء السلاح وتعميم ثقافة مخاطر حمله بين أبنائهم، وإنها مسؤولية الجمعيات الأهلية والمؤسسات الدينية ووكالة "أونروا" التي يجب أن تضع هذا الأمر في مقدمة أولوياتها، وإنها مسؤولية اللجنة الأمنية المشتركة التي يجب أن تعاقب وتحاسب كل من تسول نفسه إطلاق النار.
يجب محاربة فوضى السلاح بكل الوسائل والإمكانات، وعلى الفصائل الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها، إنه ليس من المعقول أن أعبر أمام مقر إحدى الفصائل الفلسطينية فأجد الحارس خارج المكتب لا يتجاوز عمره 15 عاما يحمل رشاشاً، وليس معقولاً عندما كاد أن ينشأ نزاع مسلح بين فتح والجبهة الشعبية - القيادة العامة، في مخيم برج البراجنة منذ سنوات، بغض النظر عن مصيبة اقتتال فصيلين، وفي المخيم، أن يلقى بفتيان بين السابعة عشرة والعشرين إلى أتون الخلاف المسلح، ولولا تدخل النساء تحديدا، لحدثت معركة لا نعلم حجم ضحاياها.

لن تتوقف مآسي ضحايا السلاح، ما لم يتوقف التوزيع العبثي، فالسلاح الموجه للعدو الإسرائيلي هو سلاح مسؤول، بيد مسؤولين.. لكن، هل لدى الفصائل مسؤولون؟

F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
F4F14766-7D2F-4617-9AFB-878AF02EAFEE
أحمد الصباهي (فلسطين)
أحمد الصباهي (فلسطين)