حدود إيران لا تنتهي عند شواطئ المتوسط

29 ديسمبر 2014
+ الخط -

إذا وُضعت إسرائيل جانباً، فإن السعودية وتركيا وإيران أكثر ثلاث دول مؤثرة، وذات استقرار نسبي في المنطقة.

لإيران مشروعها الذي لا تخفيه. يتلخص بالسيطرة المباشرة المطلقة على المشرق العربي. كادت أن تنجز المرحلة الأولى من هذا المشروع، بالسيطرة على العراق وسورية ولبنان، وقد قال المستشار العسكري للمرشد الأعلى الإيراني، الفريق يحيى صفوي، حول هذا الأمر بوضوح: "حدود إيران لا تنتهي عند شواطئ المتوسط"، وبدأت بالعمل على المرحلة الثانية عبر اليمن، ولا يخفى على أحد أن المرحلة الثالثة ستكون السعودية والمنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى البحر الأحمر.

هل ستكتفي إيران عند هذا الحد، لو أتيح لها تحقيق هذا المشرع؟ لو كان هذا هدفها فقط، فما قصة حركة التشييع التي تقودها، وتنفق عليها الملايين في تركيا؟ ما الدافع لإحياء منظمات شيوعية تركية، كادت أن تموت، لتجنيدها في سبيل خدمة المشروع الإيراني تحت شعار "مناهضة الإمبريالية". في عام 1979، اعتبرت منظمة "اليسار الثوري" في تركيا الخميني مجرد وجه آخر للشاه، وكانت منشوراتها كلها في هذا الاتجاه، لكن بقايا انشقاقات هذه المنظمة التي تدعي أنها استمرار لتلك "تناضل"، اليوم، ضد الإمبريالية بقيادة الولي الفقيه؟ رئيس حزب العمال في تركيا، ضوغو بيرنتشك، أدلى بتصريح، قبل عام تقريباً، قال فيه: "سنصلي، الأسد والمالكي وأنا، صلاة النصر وراء السيد علي خامنئي في جامع السلطان أحمد"، وهذا جامع في إسطنبول، وأحد أهم المساجد التي ترمز للحقبة العثمانية، بموقعه الفريد مقابل كنيسة آيا صوفيا، قرب قصر طوب قابِ العثماني، لا بد من التذكير بأن هذا الرجل يدعي أنه علماني، ويخشى على تركيا من الأسلمة بقيادة حزب العدالة والتنمية. هل أصبح الولي الفقيه تكية أو جمعية خيرية ليجند هؤلاء؟ بالطبع، لا يمكن لهؤلاء أن يغيّروا نظام الحكم في تركيا، ولا يشكلون خطراً على بنية الدولة التركية في الوقت الراهن. لكن، ثبت من التجربة العملية أنهم يستطيعون إحداث فروق في الاحتجاجات، ولفت أنظار الرأي العام، خصوصاً إذا كانت هناك وسائل إعلام عالمية يمكن أن تقبل نشر الأخبار المأجورة. ويقول المثل العربي: "الطلقة التي لا تصيب بتدوش"، فهذه التنظيمات على الأقل هي طلقة تُدوش.

إذا كان مشروع إيران في المشرق العربي معلناً، فهناك مؤشرات كثيرة تدل على أن مشروعها الاستراتيجي هو التمدد حتى الأناضول، فإيران لم تنس معركة "جالدران" التي قضى فيها سليم الأول على الشاه إسماعيل الصفوي، ولم يمض وقتٌ طويل على ما سمي، قبل عام، "احتجاجات تقسيم" أو "احتجاجات غزي" التي أخذت اسمها من اسم الحديقة التي تقرر نقل بضع أشجار منها إلى مكان آخر، فلقد كانت الشعارات كلها لا تندد باقتلاع الأشجار، بل بتسمية جسر البوسفور الثالث، المزمع إنشاؤه باسم "قاتل العلويين"، كما أطلق عليه المحتجون، وهو سليم الأول. وفي هذا الأمر إشارة واضحة إلى معركة جالدران. هناك أمثلة ومؤشرات وأدلة كثيرة على المشروع الإيراني في المنطقة. والدولتان اللتان يمكن أن يعوّل عليهما لمنع تمدده في المنطقة هما السعودية وتركيا، لكن الخلاف السعودي التركي يبلغ مبلغاً شديد الخطورة، يصل إلى حد تبادل الأخبار التي لا تحظى بالمصداقية على الأغلب حول تركيا بين وسائل الإعلام السعودية والإيرانية، فمن المستفيد من هذا الأمر؟

لا شك أن الخلاف السعودي التركي ينعكس سلباً على تطورات الأحداث في سورية، ولا يحتاج الأمر إلى متنبئ، للقول إن نجاح المشروع الإيراني كله متوقف على نتيجة ما يجري في سورية.

لقد نجحت تركيا بدفع خلافاتها مع روسيا إلى تحقيق مصالح مشتركة بينها وبين هذا البلد، لتغدو روسيا أكبر شريك اقتصادي لتركيا، وخصوصاً بعد عروض خطوط نقل الطاقة الروسية عبر تركيا، ألا يمكن أن تفعل السعودية وتركيا أمراً مشابهاً؟ أليس من المنطقي أن تجمع الأخطار المشتركة بين هذين البلدين لتحقيق نتائج ملموسة أكثر؟

avata
عبد القادر عبد اللي

كاتب سوري مختص بالشؤون التركية، ترجم عن التركية 45 كتاباً