فوضى في ليبيا

فوضى في ليبيا

09 أكتوبر 2014
+ الخط -

تعيش ليبيا حالة فوضى شاملة، إلى حدّ أنه يمكن القول إنّه لا دولة فيها، على الرغم من وجود حكومتين. وهذا ما يستفاد منه للقول إن هذا ما ينتج عن "الثورة"، وإن مآل الثورات هو الفوضى. السؤال، هنا، يتعلق بالأسباب التي فرضت هذا الوضع: هل هي الثورة، أم أمور أخرى لا بد من فهمها؟

لا شك في أن الليبيين كانوا معنيين بإزاحة نظام معمر القذافي، في وضع كان مختلاً من زاوية ميزان القوى، حيث أسّس القذافي بنية أمنية كبيرة، امتلكت أحدث الأسلحة. وهو أمر حوّل الثورة منذ البدء إلى حرب، وحرب غير متكافئة، الأمر الذي جعل فرنسا، ودولاً إمبريالية أخرى، تتدخل للحصول على مصالح نفطية مهمة، لكن تدخلها أسهم في حسم الصراع ضد القذافي، لكنه انتهى عند هذا الحدّ. بمعنى أن الوضع ترك للقوى المحلية، لكي تؤسس الدولة، بعد أن كان القذافي قد أنهى البنى المؤسسية للدولة، وبعد أن انهارت السلطة التي كان هو محورها.

في هذا الوضع، تنافست ثلاث قوى أساسية: الليبراليون القادمون معظمهم من نظام القذافي (المنشقون)، والإخوان المسلمون الذين عانوا السجون، وعاشوا خارج ليبيا في الغالب، و"الجهاديون" الذين جرى استقدامهم، أو الليبيون منهم. لكن نشأ كذلك الميل المناطقي الذي عنى التنازع بين المناطق على السيطرة، أو من أجل "الانتقام". وقد مال كل طرف إلى أن يسيطر هو، فتحالف الإخوان والليبراليون في المرحلة الأولى، ثم هيمن "الإخوان"، لتعيد الانتخابات الأخيرة سيطرة الليبراليين. وارتبط هذا التنازع بالصراعات الإقليمية والدولية، عبر تحالفات مع هذا الطرف أو ذاك، بهدف الهيمنة على ليبيا والحظوة بالنفط.

على ضوء ذلك، باتت ليبيا ليبياتين: في الغرب وفي الشرق، وبات الصراع عنيفاً بين الليبراليين الذين يسيطرون على الشرق الليبي، والإخوان و"الجهاديين" الذين يسيطرون على الغرب، وفي تداخل مع انقسامات المناطق. وأظهرت هذه الصورة أن القوى التي أسقطت العقيد القذافي ليست قادرة على تأسيس دولة وبناء سلطة، وأن تنازع المصالح الخاصة والإقليمية يخترقها، وهي وفق ذلك لا تملك رؤية، تسمح بتأسيس الدولة القادرة على حل مشكلات ليبيا. ومن ثم فليس هناك قوة وحدها قادرة على السيطرة، بل تخضع جميعها لتفكك الوضع ولانقسامات المناطق. وبهذا، هي تتصارع على السلطة لكي يحقق كل منها مصالح خاصة وإقليمية أو دولية.

ذلك كله معروف. لكن، ما يجب استنتاجه هو أن المسألة لا تتعلق بالثورة، حيث إن الأمر لا يتعلق بقرار، بل يتعلق بوضع شعبٍ، وصل إلى حالةٍ لم يعد يستطيع الاستمرار فيها. وبالتالي، لا أحد يمكنه أن يدّعي أنه قادر على وقف لحظة انفجار شعب. لهذا، لا بد من تلمس الإشكالية من زاوية أخرى، تتعلق، بالتحديد، في أن القوى التي قادت الثورة، أو لعبت دوراً فيها، أو حتى لم تلعب أي دور، عاجزة عن بناء الدولة، لأنها تعبّر عن مصالح متناقضة من جهة، وخصوصاً، من جهة أخرى، لا تعبّر رؤيتها ومصالحها عن الشعب. ولهذا، هي لا تحمل حلولاً لمشكلاته. وهذا ما جعلها تغرق في الصراع حول مصالحها الضيقة، المرتبطة بهذا الطرف الإقليمي، أو الدولي، أو ذاك.

إذن، الدولة انتهت بفعل الثورة، لكن ليس هناك من يستطيع تأسيس بديل لها. هذه هي المشكلة الأشد في ليبيا، لكنها واضحة في كل البدان العربية؛ لأنه ليس للشعب الثوري القوى والبديل والاستراتيجية التي تستطيع تأسيس الدولة البديلة. بالتالي، كل من ينتقد الثورات، لأنها لا تأتي سوى بالفوضى والتفكك، لا بد له من التساؤل: هل قدّم بديلاً يعبّر عن الشعب؟ الأزمة في الثورات تكمن هنا، وليس في أي مكان آخر.