الجالية المسلمة الأميركية تحت الحصار

الجالية المسلمة الأميركية تحت الحصار

20 فبراير 2015

تضامن في تونس مع ضحايا جريمة "تشابيل هيل" (فبراير/الأناضول/2014)

+ الخط -
بغض النظر عن الدافع الحقيقي لجريمة قتل الطلبة الأميركيين الثلاثة، من أصول عربية مسلمة، في "تشابيل هيل" في ولاية نورث كارولينا، في العاشر من فبراير/شباط الجاري، فإنها سلطت الأضواء بشكل أكثر تركيزاً على موضوعة الضخ الإعلامي اليميني والسينمائي الأميركيين ضد الإسلام والمسلمين، وبطريقة فجَّة.
فالضحايا: ضياء شادي بركات (23 عاماً)، وزوجته يُسر محمد أبو صالحة (21 عاماً)، وشقيقتها رزان (19 عاماً)، والذين قتلوا في دارهم على يد أميركي أبيض، يعرف نفسه على أنه ملحد كاره للأديان، ما هم إلا أنموذج يجسد حالة الخوف التي تنتاب العرب والمسلمين في الولايات المتحدة اليوم. وهنا، قد يظن بعضهم أن ظاهرة الخوف التي تتملك العرب والمسلمين في أميركا إنما تعود إلى تنامي الجرائم التي ترتكبها، والعمليات التي تشنها، تنظيمات متطرفة، توصف بالإسلامية، وهذا صحيح. فعمليات تلك التيارات، وهجماتها في الفضاء الغربي وخارجه، تضع المسلمين في دائرة الاشتباه لدى المواطن الغربي العادي، فضلاً عن أجهزة الأمن، غير أن هذا السبب لا يكفي، وحده، لفهم الخوف لدى المسلمين الأميركيين، حيث أن ثمة سببا آخر يتمثل في "صناعة" اسمها "الإسلاموفوبيا"، أو رُهاب الإسلام، وهي أكثر ما يقلق المسلمين الأميركيين اليوم.
"صناعة الإسلاموفوبيا" في الولايات المتحدة، وكثير من الغرب عموماً، ليس تعبيراً عبثياً، وإنما هي حقيقة ثابتة، وَأُصدرت حولها دراسات جادة ورصينة كثيرة تعقبت شخصياتها، ومصادر تمويلها وخططها وأساليبها، منها دراسة "المركز الأميركي للتقدم"، وصدرت عام 2011، وأخرى صدرت في العام نفسه، بتعاون بين مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية (كير) ومركز دراسات الجنس والعرق التابع لجامعة بيركلي في كاليفورنيا، وثالثة أصدرتها "كير" في 2013.
ويتضح في الدراسات الثلاث، وغيرها كثير، أن الحملة الشرسة على الإسلام كدين، وعلى المسلمين كمجموع، لا تتم جراء أفعال عُنفية تنسب لمسلمين، بل وراءها عقول مخططة، ولها أهداف محددة، تتمثل في عزل المسلمين في الغرب عن سياق المجتمعات التي يعيشون فيها، ودفعهم إلى الانطواء الذاتي. كما أن هذه "الصناعة" لا تعدم أهدافاً خارجية، تتمثل في الدفع، أو تبرير أي عدوان أميركي يشن على أي جزء من العالمين العربي والإسلامي. أيضاً، أصابع اللوبي الصهيوني غير بعيدة البتة عن هذه "الصناعة" والنفخ فيها، وكثير من رموز الإسلاموفوبيا في الغرب هم من اليهود الصهاينة، أمثال ستيف أميرسون ودانيال بايبس وباميلا غيلر.. إلخ.
وللأسف، استطاعت هذه الحملة، والتي يرصد لها عشرات الملايين من الدولارات سنويّاً، أن تحقق نجاحاً لا ينكر. وتكفي الإشارة، هنا، إلى استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" الأميركي عام 2014، وأظهر أن أكثر من 41% من الأميركيين ينظرون بسلبية إلى الإسلام
والمسلمين، مقارنة مع 29% عام 2002، أي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ما يؤشر إلى نجاح جهود شيطنة الإسلام والمسلمين.
المشكلة، هنا، أن حرفيي هذه "الصنعة" لا ينحصرون في كتاب وإعلاميين، وأبواق يمينية وصهيونية، فحسب، بل إن سياسيين أميركيين، أيضاً، يساهمون فيها. من هؤلاء العضو الجمهوري في مجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك، بيتر كينغ، والذي عقد، في أثناء رئاسته لجنة "الأمن القومي" قبل سنوات، جلسات استماع في الكونغرس، تحت زعم أن غالبية المساجد في أميركا يسيطر عليها متطرفون. ومنهم حاكم ولاية لويزيانا، الجمهوري، بوبي جندل، الذي أثار جدلاً، قبل أسابيع، عندما زعم أن ثمة "مناطق معزولة" للمسلمين في أوروبا خارج سيطرة الدولة، وحذر من الأمر نفسه في الولايات المتحدة.
ولا تعدم هذه "الصناعة" وسائل إعلام مؤثرة، مثل شبكة "فوكس نيوز" وعشرات المحطات الإذاعية المحلية والوطنية، فضلاً عن عشرات المواقع على الإنترنت التي تتحدث عن الاختراق الإسلامي، المزعوم، لأميركا، ووصل السفه ببعضها إلى حد اتهام الرئيس الأميركي، باراك أوباما، نفسه، بأنه مسلم متخف.
ولهوليوود نصيب كبير لا ينكر في هذه "الصناعة"، بل إنها قد تكون الأمضى أثراً في شيطنة صورة الإسلام والمسلمين في العقل والوعي الجمعيين الأميركيين. فأفلامها تصوغ المخيال الشعبي الأميركي من أوسع أبوابه، وعبر أقوى الأدوات، الصورة والدعاية التبسيطيتان، ولكن المؤثرتان. ويكفي أن نشير، هنا، إلى الفيلم الذي يعرض في دور العرض السينمائي "القناص الأميركي"، عن جندي أميركي قاتل في العراق، وبسببه تلقت مراكز ومؤسسات إسلامية عديدة، كما الأفراد، تهديدات بالقتل أو إلحاق الأذى.
أدى كل ما سبق إلى خلق ثقافة وبيئة غير مرحبتين، على الأقل، بالإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، غير أن فئات من المجتمع الأميركي تجاوزت عدم الترحيب إلى العداء. ولعل في بعض ردود الفعل الشرسة على خطاب أوباما، مطلع شهر فبراير/شباط، في "إفطار الصلاة الوطني"، والذي برأ فيه الإسلام كدين، والمسلمين كأمة، من التطرف، ما يؤكد أن هناك من يرفض أن يسمع ولو كلمة واحدة إيجابية عن الإسلام والمسلمين. والحكومة نفسها غير مُبَرَّأة من "صناعة الإسلاموفوبيا"، فأجهزتها الأمنية تعامل الجالية المسلمة على أنها مصدر تهديد، لا على أنها مكون أساسي من النسيج المجتمعي الأميركي.
باختصار، تعيش الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، اليوم، حالة حصار حقيقي وخوف مشروع، فحملة الكراهية ضدهم، والتي يُستثمر فيها عشرات ملايين الدولارات، وصلت إلى حدود غير مسبوقة، وقد تكون هي من قادت إلى جريمة تشابيل هيل. ولم يعد السؤال لدى المسلمين في الولايات المتحدة، اليوم، محصوراً فيما إذا كانت تلك الجريمة جريمة كراهية أم لا، بقدر ما أن ثمة قلقاً من القادم، خصوصاً مع تواطؤ الإعلام الأميركي في التباطؤ المتعمد في تغطية الجريمة، وتذكّره، فجأة، المعايير المهنية في تغطيته، وحضه، وأجهزة الأمن، إلى عدم التسرع في القفز إلى استنتاجات. حسناً، لو كانت هذه المعايير مطبقة في كل حين، لما اشتكى المسلمون، لكنها غابت حين حصلت هجمات باريس، ثم إنها غابت بعدما وقعت، الأسبوع الجاري، هجمات الدنمارك، ما دفع الإعلامية الأميركية، سالي كوهين، للتعبير عن امتعاضها من التغطية الإعلامية الهزيلة في معظم القنوات الأميركية لحادثة قتل الطلبة المسلمين الثلاثة، متسائلة عن ازدواجية المعايير في التغطيات الإعلامية. وقالت في سلسلة تغريدات: "غطت وسائل الإعلام الأمريكية خبر قتل مسلمين آخرين في فرنسا بشكل متواصل أياماً عدة. لكن، لا تغطية مماثلة لمقتل مسلمين هنا في أميركا".