قوائم الإرهاب.. لماذا؟

قوائم الإرهاب.. لماذا؟

22 نوفمبر 2014

عمل لـ(ديبان سارانتي)

+ الخط -

يقول صديقي، وأنا أصدّقه، إن "حصار الاعتدال يطلق العنان للتطرف". هذه حكمة ثمينة، ففي وسط هذا الوضع العربي الذي تورطنا فيه جميعا، يلاحظ المرء رشاقة الحكومات العربية، وهي تقفز من زاوية إلى أخرى، تحكم وتقرر وتجرّم، وتستمر في قراراتها الخاصة التي لا يمثل الشعب شريكاً مرغوباً في صناعتها. بشكل أدق، لا يكون الفرد من الشعب مُطلعاً على التفاصيل التي قد تطاله في أي وقت. فمن يدري، فبتوسع هذا التوظيف لتهمة "الإرهاب" قد يصحو أحدنا من النوم مرة، ويجد نفسه إرهابياً!

هذه الحكومات التي لا تحب الصراحة، ولا تحب المقاطعة، ولا مراجعة ما يصدر عنها، اعتادت واستسهلت حصار القوى الشعبية، أو التنظيمية، التي لا تتوافق مع رؤيتها. مع أن الصيرورة الطبيعية للمجتمعات تحتم وجود المزاحمة السياسية، عبر قوى وآراء تتوالد، ويفترض أن يتم الاعتراف بها بشكل طبيعي، مثل أي بلد في العالم، طالما أنها لم تقارب إشكالات جنائية، أو معنوية، مما يستحق التجريم. يتم استخدام هذه التهمة، اليوم، كعصا قمع وتخويف، تتغلب بها الحكومات على ما يواجهها من متغيرات.

يكشف النفخ في تهمة الإرهاب، عن العبقرية السياسية الفذّة لدى الحكومات العربية، التي ينطبق عليها مثل: من لا يوجد بيده غير مطرقة، سيتعامل مع كل شيء على أنه مسمار. إن أي مسار قمعي يكشف عن فاعلية، يبدو مرحباً به اليوم، من الحكومات هنا. اعترف أن هذا الأمر، أي النفخ في تهمة الإرهاب وتوظيفها، يأتي وفق سياق طبيعي، أتفهمه جيداً، فلا توجد سياسة تضبط وتقيّد. فحين يأتي الأمر للسياسة، نحن كما قيل، نبدو وكأننا أمة بلا تاريخ. فلم يوجد الفكر والنضج السياسي الذي نعوّل على تمرحله وتقدمه، ولم تكن هنالك "دولة" بالمعنى المتكامل طوال تاريخنا. حتى كلمة دولة، حين ولدت لدينا لم تكن تعني تلك السلطة المؤسسية المستقرة، وإنما كانت تعني "الغلبة"، أي دَولة فلان على فلان.

السلطة، وفق هذا السياق، اعتادت استخدام القوة المفرطة للرد، ولحماية نفسها، في عملية مربكة ومستديمة امتدت طوال تاريخنا. ولم تتجاوز السياسة كمفهوم منطقتها التي ولدت فيها أول مرة، أي فقط عمارة بلدان، وحراسة رعية، وتقدير أموال، فبقيت بذلك مجرّدة من بعدها وفنّها السياسي المطلوب.

حين أطلقت أميركا حملتها ضد الإرهاب، في العقد الماضي، كان الوصم بالإرهاب وقوائمه عملية مستهجنة حول العالم، من الأفراد والحكومات التي ظلت خائفة بدورها من أن تطالها شرارات هذه الحملة. لكن، في العقد التالي، وبعد أن هدأ خوف الحكومات، استوردت هذه الصنعة، وبدأت عهد تخويفها. أصبح مطلوبا من الفرد، اليوم، أن يقرأ هذه الإدانات باقتناع مسبق، ويسكت عن بواطنها المبهمة، على الرغم من افتقارها الدليل وصلابة الحجة. لقد استسهلت الحكومات العربية إطلاق تهم الإرهاب بطريقة تجاوزت بها أميركا، عرّابة هذه القوائم.

عبر السنين، تمنعت إدارات بوش وأوباما عن توضيح الاعتبارات التي على إثرها يتم إدراج المنظمات في لائحة الإرهاب. ظلت هذه القائمة سلاحاً ينشط ويخمد، وتستخدم سياسياً أكثر من استخدامها الأمني. وسعت أميركا دوائر الاشتباه، وبحسب وثائق سربها موقع "إنترسيبت" الاستقصائي في يوليو/تموز الماضي، هنالك محددات سرية، وضعها "المركز الوطني لمكافحة الإرهاب" في العام الماضي، يمكن أن تضع أي مواطن، أو أجنبي، على قائمة الإرهاب من دون الاستناد إلى أدلة قوية، ومن دون حتى أن يعرف هو سبب ذلك، مدة غير محددة. إن عدم توضيح الحجة أمر يلجأ له القوي دوماً، لأن توضيحها ربما يساهم في دحضها، وفي كشف الخلل فيها. الحكومات العربية أُعجبت بموضوع قائمة الإرهاب، خصوصا جزء الغموض والسرية فيه. لكنها أصبحت ملكية أكثر من الملك، لقد فاق التجريم في القوائم العربية ما طالته أميركا، وما حلمت به دوائر اللوبي الصهيوني في الغرب. اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة، الأسبوع الماضي، قائمة التنظيمات الإرهابية، ووضعت فيها 83 اسماً لجماعات ومنظمات وروابط دعوية وفكرية، منها مراكز وروابط موجودة في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية. وتم وضع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على هذه القائمة، ويقول أمينه العام، علي القره داغي، معلقا على الخبر: "يضم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين نحو 95 ألف عالم مسلم، وعندما يصفه أحدهم بالإرهاب فقد وصف أغلب علماء الأمة بالإرهاب!". هل نلاحظ أين وصل الموضوع؟ إن الترهيب من الإسلاميين الطامحين للمشاركة في العمليات السياسية وتجريمهم ليس أمراً طبيعياً أبدا، بل مشاركتهم وفوزهم أو خسارتهم هي الأمر الطبيعي، وهذا ما يفترض على أي مثقف فعله، الانتصار للطبيعي في مستواه الاجتماعي البسيط، ولحق الشعوب فيه.

الشعوب، في النهاية، غير معنية كثيراً بالإسلامي وغيره، بقدر ما هي معنية بأولوية ممارسة حقوقها. لنرى حالة إندونيسيا، حين دخلت البلاد في مسار التحول الديمقراطي، بعد إسقاط سوهارتو أواخر التسعينيات، حصلت فيها فترات انتخاب حافلة بالمفاجآت والتنوع، فحيناً تقدم إسلاميون، وحيناً تراجعوا، وكذا بعد سوهارتو أتى قادة للبلاد من بين النخب وممن يشبهونه، لكن التعويل على الديمقراطية والصبر في الممارسة، جعل البلاد تتمرحل، وتصل، في عامنا هذا، إلى انتخاب أول رئيس يأتي من بين أوساط الشعب. 

هناك دروس كثيرة تتعلمها الشعوب التي لا تفرط، في مطالبها في الممارسة السياسية، ولا تقبل بسهولة بالتجريم الأمني الاحترازي الذي يدخل عليها مع كل فرصة ممكنة. عليها أن تتذكر أنها المرجع والأساس الذي تعود إليه الأمور، ففي النهاية، لم يخبر التاريخ عن شعوب طلبت الصفح من حكوماتها، لكنه أخبر كثيراً عن حكوماتٍ طلبت الصفح من الشعوب عنها أو عمن سبقها من حكومات. وأيضاً، لم يخبرنا التاريخ عن حكوماتٍ أبدلت شعبها، كأنها تبدل قميصاً قديماً، لكنه أخبر عن شعوب فعلت!

85E9E8E1-EE94-4087-BB96-D28B3C71079C
عبد العزيز الحيص

كاتب سعودي