الأردن وأسطورة الأمن العربي

الأردن وأسطورة الأمن العربي

04 نوفمبر 2014

أردنيون يتظاهرون ضد معاهدة السلام مع إسرائيل (18 مارس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

في خطابه أمام مجلس الأمة (البرلمان) الأردني، النواب والأعيان، قال الملك عبدالله الثاني إن القضية الفلسطينية هي "قضيتنا الأولى"، وإن "الأمن العربي كل لا يتجزأ". وهذه مواقف لا بد أن تكون من بديهيات الاستراتيجية الأردنية، لكنها لا تعكس حقيقة المواقف العملية، لا الأردنية ولا العربية.


في الحالة الأردنية، كان هناك دائماً ارتباط بين سلامة النظام ومستقبله من جهة، وشرط عدم تشكيله خطراً أو عدم سماحه بأن يكون الأردن خطراً على إسرائيل، لا من الناحية الأمنية أو حتى المعنوية، من جهة ثانية، فالوعي الوطني المرتبط بالقضايا التحررية، وفي طليعتها قضية فلسطين، يعني علمياً التزامات تتعارض مع معاهدة وادي عربة الأردنية الإسرائيلية، الموقعة عام 1994، والتي وضعت الأردن، قانونياً وعملياً، في وضع تحالفي مع إسرائيل، على حساب المصالح الأردنية الوطنية والقضية الفلسطينية، فالأردن حبيسة شروط المعاهدة التي تشترط تعاوناً اقتصادياً، يجعل الأردن سوقاً للمنتجات الإسرائيلية، ومشاركتها مواردها المائية.


وبدون المعاهدة، ما كنا سنصل إلى اتفاقية استيراد الغاز من شركة إسرائيلية، فلا خيار سوى الخيار الإسرائيلي.


فالالتزام بالمعاهدة من جانب واحد أصبح، عملياً، مصلحة أردنية عليا، إلى درجة أن الملك عبدالله، في مقابلة مع الصحافي الأميركي الصهيوني، جيفري غولدبرغ، قال، بصراحة، إنه قد يكون مستعداً للتنازل عن بعض صلاحياته للحكومات، في سياق إصلاحي، لكنه يخشى أن تلغي حكومة مستقبلية معاهدة وادي عربة، في اعتراف واضح بأنه يربط المعاهدة ببقاء النظام، أو حتى الأردن.


أي أن أمن الأردن الإستراتيجي، وليس في منظور الملك فقط، ولكن بقناعة كثيرين، داخل النظام وحتى خارجه، مشروط ببقاء المعاهدة، وليس بالأمن العربي، أو العمق الإستراتيجي العربي، على الرغم من التهديد المباشر التي تشكله إسرائيل على الأردن، برفضها إنهاء الاحتلال، من خطر واضح ومباشر.


الخلل الأساسي أن المفهوم القيمي قد تغير من مفهوم عدالة القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية والأردنية إلى مفهوم المصلحة الآنية والمباشرة، بما يحتويه من مغالطات في الحقائق، لكن التخلي، عملياً، عن المواقف المبدئية هو الأخطر، إذ يؤدي إلى قبول التسليم بقوة إسرائيل وجبروتها، قدراً مكتوباً ومفروضاً، إلى قبول كل التنازلات.


لذا، لم تكن مصادفة أن تشمل معاهدة وادي عربة نصاً يمنع الطرفين من الدخول في تحالفات أو معاهدات تهدد أمن الآخر، وهو نص لا يؤثر على إسرائيل، فكل معاهدتها الأمنية محللة ومشروعة، فالأنظمة العربية ترى في شعوبها وأي حركة مقاومة العدو والأعداء، لكن إسرائيل أرادت إخراج الأردن من منظومة الأمن العربي، تقويضاً للمفهوم الذي ردده الملك "إن الأمن العربي لا يتجزأ".


والمقصود، في هذه الأيام، بهذه الجملة هو الدخول في تحالفات وحروب أميركية، فواشنطن، وحدها، تحدد من هم أعداء الأردن، نظماً ودولاً، وأعداء الأمة العربية، وفقاً لأجندتها وإستراتيجيتها، وإسرائيل ليست على القائمة.


بناءً عليه، لم تكن مصادفةً أن يتبع توقيع وادي عربة عملية شطب القضية الفلسطينية من الوعي الجمعي، بدءًا من إلغاء مادة القضية الفلسطينية من المناهج المدرسية إلى ترويج خطاب مصلحي انعزالي، ليس فيه مساحة لمفاهيم مبدئية، أو إستراتيجية، مثل الحقوق الفلسطينية والأردنية أو مفاهيم السيادة والأمن القومي العربي. فالهدف كان إحلال ربط المصلحة الأردنية بإسرائيل، فتصبح المعاهدة من بديهيات الوجود الأردني، مكان المرجعيات الإنسانية والتاريخية والحقوقية من الوعي الجمعي، وبالتالي، لا مكان لقضية فلسطينية، أو لأمن عربي "لا يتجزأ"، بل أمن عربي يتفتت، لأن المصلحة العليا غدت إرساء أمن إسرائيل.