المقاومة الفلسطينية تدفع الشباب اليهودي للهجرة المعاكسة

المقاومة الفلسطينية تدفع الشباب اليهودي للهجرة المعاكسة

09 أكتوبر 2014

مستوطنون يهود في انتظار مغادرة مطار "بن غوريون"(18سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -
تكشفت حقائق عديدة إبان العدوان الإسرائيلي، أخيراً، على قطاع غزة، فبعد أن طالت صواريخ المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي، لتوقع خسائر مادية وعسكرية كبيرة، علت أصوات كثيرة بين الشباب في التجمع الاستيطاني اليهودي، مطالبة بالهجرة إلى خارج فلسطين المحتلة، ما يؤكد عدم تمسك الجيل اليهودي الجديد بالأرض الفلسطينية المحتلة التي أنشئت عليها إسرائيل، وفق أكاذيب معروفة في الخامس عشر من مايو/أيار من عام 1948، وثمة دلالات ومؤشرات أكدت أن المجتمع الإسرائيلي هش، وحساس لقضية استقرار الأمن من عدمه، حيث يعتبر العامل الجاذب وكذلك الطارد الأهم لليهود من فلسطين المحتلة وإليها.

ماذا عن استطلاعات الرأي؟

أفادت نتائج استطلاع للرأي، أجرته القناة الثانية الإسرائيلية بعد الحرب على غزة، بأن 30% من اليهود يفكرون بهجرة البلاد عند وجود فرصة مواتية، لفقدانهم الأمان، ولتردي الأوضاع الأمنية والمخاوف من تصعيد عسكري ثانٍ مع الفلسطينيين، بالإشارة إلى العدوان الإسرائيلي على غزة الذي استمر واحداً وخمسين يوماً. ودلت معطيات الاستطلاع على أن 56% فقط من الإسرائيليين لا يفكرون في الهجرة، إذ ينظر 36% ممن شملهم الاستطلاع نظرة سلبية حيال من قرر الهجرة، بينما تتعامل البقية بإيجابية، أو بلا مبالاة، تجاه من يفكر بمغادرة البلاد.

وتتسق تلك النتائج مع الإحصاءات التي كشفت عنها القناة العاشرة، فقد أكدت، اعتماداً على معطيات حكومية رسمية، أن حوالي ثمانمائة ألف إسرائيلي، أغلبيتهم العظمى من الشباب والعلمانيين، هاجروا في غضون السنوات الأخيرة، واستقروا بشكل دائم في دول أوروبية وأميركا، بسبب الصراع واستبعاد الأفق لتسوية سياسية مع الفلسطينيين.

ولافت أن موقعاً إلكترونياً تم إنشاؤه باسم "غادر إسرائيل" (leave Israel) على الشبكة العنكبوتية، وبات حاضناً وداعماً للمهاجرين الإسرائيليين، وأضحى حلقة وصل للتعاون بين الذين يفكرون في الهجرة المعاكسة، وحدث في الموقع تبادل للخبرات والتجارب والظروف التي حفزتهم وتحفز في المستقبل على مغادرة إسرائيل والاستقرار في دول أوروبا وأميركا الشمالية.

استراتيجية جذب يهود العالم

مرّ على إنشاء إسرائيل أكثر من 66 عاماً، ولا يزال الاهتمام فائقاً من القادة والأحزاب والاستراتيجيين في إسرائيل بتهجير يهود العالم إلى فلسطين، بغية تحقيق التفوق الديموغرافي على العرب، أصحاب الأرض الأصليين من جهة، وتأمين المادة البشرية لتنفيذ أهداف المؤسسة الإسرائيلية الاستراتيجية من جهة أخرى. لهذا، يستغل قادة إسرائيل المناسبات، للتأكيد على أهمية جذب المزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة، إذ تعد الهجرة اليهودية من أهم ركائز استمرار إسرائيل ككيان استثنائي في المنطقة.

وهناك أسباب كامنة لنضوب الهجرة اليهودية، أو، على الأقل، تراجع أرقامها، وفي مقدمة تلك الأسباب تراجع عوامل الطرد لليهود من بلادهم الأصلية، فضلا عن تراجع عوامل الجذب المحلية. ‏لقد عقد في إسرائيل بين السنوات 2000 و2014 اثنا عشر مؤتمراً استراتيجياً في هرتسيليا، وعدة مؤتمرات في مراكز البحث الإسرائيلية.‏

وأكد المؤتمرون، في توصياتهم، على ضرورة إعطاء الهجرة اليهودية إلى الأراضي العربية المحتلة أهمية فائقة، نظرا لتراجع موجات الهجرة اليهودية بعد عام 2000، في مقابل النمو الطبيعي المرتفع بين العرب، سواء داخل المناطق المحتلة في 1948، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة. وتبعا لذلك، ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أهمية تهيئة الظروف المختلفة لجذب مزيد من يهود العالم إلى الأراضي العربية المحتلة، لتحقيق التفوق الديموغرافي على العرب في حدود فلسطين التاريخية في المستقبل، وانصب الاهتمام الإسرائيلي على محاولة جذب يهود الهند والأرجنتين، بعد أن واجهت إسرائيل أزمة هجرة حقيقية في سنوات انتفاضة الأقصى من جهة، وجفاف الهجرة من الدول ذات مؤشرات التنمية البشرية المرتفعة، مثل أميركا وكندا وفرنسا وبريطانيا، وغيرها من دول العالم من جهة أخرى.

حقائق ومعطيات

من الأهمية الإشارة إلى أن الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة تعتبر حجر الزاوية لاستمرار إسرائيل دولة غير طبيعية، حيث للعنصر البشري اليهودي دور محوري في ذلك. وفي هذا السياق، تفيد الدراسات بأن الحركة الصهيونية استطاعت جذب نحو 650 ألف مهاجر يهودي حتى مايو/أيار 1948، وبعد إنشائها في العام المذكور، عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على اجتذاب مهاجرين جدد من يهود العالم، فاستطاعت جذب نحو أربعة ملايين يهودي من 1948 إلى 2014، بيد أنه هاجر من فلسطين المحتلة نحو 20% منهم، نتيجة عدم قدرتهم على التلاؤم مع ظروف مختلفة عن بلد المنشأ في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول. وتعتبر الفترة (1948-1960)، وكذلك الفترة (1990 ـ 2000) من الفترات الذهبية لجذب مهاجرين يهود باتجاه فلسطين المحتلة، فقد ساهمت الهجرة في الفترتين بنحو 65% من إجمالي الزيادة اليهودية. ونتيجة محددات النمو السكاني، وصل مجموع اليهود إلى نحو 6.3 مليون يهودي في منتصف العام الحالي 2014.

لم تتم عملية كشف حساسية الهجرة والهجرة المعاكسة في أثناء وصول صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى العمق الإسرائيلي، بل أكدت دراسات عديدة قبل ذلك أنه، ومع انطلاقة انتفاضة الأقصى في نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2000، وتزعزع الأمن الإسرائيلي، برزت أسئلة عدة بشأن مستقبل الهجرة اليهودية، إذ لعب ويلعب الاستقرار الأمني دوراً مهماً في جذب اليهود إلى فلسطين المحتلة، وقد أكد رئيس الوكالة اليهودية، سالي مريدور، أن أرقام الهجرة تراجعت من نحو 70 ألف مهاجر في عام 2000 إلى 43 ألفا في عام 2001، ومن ثم إلى 30 ألفاً في عام 2002، ولم يتعد الرقم 19 ألفا في العام الواحد في الفترة (2003-2013).

وفي أثناء الفترة المشار إليها، كان ميزان الهجرة اليهودية سلبياً لمصلحة الهجرة المعاكسة في بعض السنوات. وليس متوقعاً أن يحصل تطور كبير في أرقام الهجرة اليهودية في السنوات المقبلة، خصوصاً بعد أن طالت صواريخ المقاومة الفلسطينية العمق الإسرائيلي. وما يقلق المؤسسة الإسرائيلية استعداد نحو 30% من الشباب اليهود في إسرائيل للهجرة المعاكسة، فضلاً عن إخفاء وزارة الهجرة والاستيعاب أعداد اليهود الإسرائيليين الذين هاجروا إلى الخارج منذ عام 1948 وحتى 2014.

وثمة دراسات أفادت بأن هناك 400 ألف يهودي إسرائيلي لن يعودوا إلى إسرائيل، لا سيما أن أغلبيتهم يحملون جنسيات دول أخرى، وخصوصاً الأميركية والأوروبية منها. ‏وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية، بفعل تراجع العوامل الجاذبة، ستسعى المؤسسة الإسرائيلية، بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية، إلى تمويل حملة كبيرة ومنظمة في المستقبل، لجذب نحو 200 ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في أثيوبيا، فضلا عن محاولاتٍ حثيثةٍ لاجتذاب نحو 80 ألفاً من يهود الهند وجنوب افريقيا، في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأميركا الشمالية، في حدودها الدنيا، بسبب انعدام عوامل الطرد منها. ‏وتجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتركزون، بشكل رئيس في الولايات المتحدة، فمن بين 13 مليون يهودي في العالم في 2012 هناك 5.5 مليون يهودي في الولايات المتحدة. في مقابل ذلك، لم تتمكن الدعاية الإسرائيلية من جذب سوى 6.3 مليون يهودي إلى إسرائيل، حتى منتصف العام الحالي 2014، يمثلون نحو 48% من إجمالي اليهود في العالم البالغ 13 مليون يهودي.

وبشأن التوزع الجغرافي لليهود في العالم، تتحدث دراساتٌ عن تركز 560 ألفاً من اليهود في فرنسا، غالبيتهم متعاطفون مع حزب الليكود، ولم يبق في روسيا سوى 400 ألف يهودي. أما في كندا، فيوجد 360 ألفاً وأوكرانيا 280 ألفاً، وبريطانيا 280 ألفاً، والأرجنتين 220 ألفاً. وتفيد الإحصاءات بأن نسب الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في العالم وصلت، في السنوات الأخيرة، من 50% إلى 80%، ولا سيما في بعض المدن الأميركية، ما سيؤدي إلى تراجع مجموع اليهود في نهاية المطاف إلى أقل عدد ممكن. ومن بين مجموع اليهود المستوطنين في فلسطين المحتلة في مايو/أيار الماضي (6.3) مليون يهودي، ثمة 40% من اليهود الأشكناز؛ أي يهود غربيين من أصول أميركية وأوروبية. في حين يشكل اليهود السفارديم من أصول شرقية أفريقية وآسيوية 36% والنسبة الباقية 24 %، يطلق عليهم لقب الصابرا، وهم لأب يهودي مولود في فلسطين المحتلة.

بلد المنشأ والعوامل الطاردة

غالبية يهود العالم مواطنون في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث مؤشرات التنمية والرفاه أعلى من مثيلاتها في إسرائيل. ولذلك، لا يوجد عوامل طاردة لليهود من تلك الدول باتجاه فلسطين المحتلة. ونتيجة عدم وجود عوامل حقيقية طاردة لليهود من بلد المنشأ، وكذلك عدم القدرة في تهيئة ظروف حقيقية جاذبة ليهود العالم باتجاه إسرائيل، يمكن الجزم بأن مؤشرات نضوب الهجرة اليهودية وجفافها ستطفو على السطح بوضوح في السنوات المقبلة. ولذلك، طرح قادة إسرائيل فكرة ترسيخ وتعزيز يهوديتها مجدداً، كعامل جذب مهم ليهود العالم. ويعتبر ذلك بمثابة الهدف الأهم من طرح الفكرة المذكورة ومحاولة تعميمها وترسيخها.

ويبقى القول إن زعزعة الأمن الإسرائيلي، إبان وصول صواريخ المقاومة الفلسطينية إلى العمق الإسرائيلي من قطاع غزة المحاصر، في العدوان الإسرائيلي الذي امتد واحداً وخمسين يوماً، أدى إلى ارتفاع نسبة الشباب اليهود في إسرائيل الذين تقدموا بطلبات هجرة معاكسة إلى خارج فلسطين المحتلة بشكل ملحوظ، الأمر الذي يطرح سؤالاً مهماً بشأن مستقبل الهجرة اليهودية التي كانت، على الدوام، الهاجس الاستراتيجي لإسرائيل.