ماذا تخبئ فيدرالية اليسار المغربي؟

ماذا تخبئ فيدرالية اليسار المغربي؟

22 ديسمبر 2014
+ الخط -
لا يمكن لأي متابع للساحة السياسية المغربية إلا أن يشيد بالخطوة الاندماجية التي أقدمت عليها ثلاثة أحزاب يسارية مغربية، والقاضية بتشكيل قطب يساري، تم التوافق على تسميته "فيدرالية اليسار"، يتعلق الأمر بكل من حزب الطليعة الاشتراكي واليسار الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاشتراكي. جاء ذلك، بعد اختيار دقيق لتوقيت إعلان التحالف المتزامن مع ذكرى 23 مارس/ آذار، في إشارة رمزية إلى أن هذا التحالف سيبقى وفياً لخط النضال الذي عرفته الساحة الوطنية في منتصف الستينات.
تشكيل هذا الجسم، وكما صدر على لسان مؤسسيه، يندرج في إطار إعادة بناء حركة اليسار المغربي على أساس الدفاع عن مجموعة من المحاور، منها النضال الديمقراطي الجماهيري السلمي لتحقيق ملكية برلمانية، والارتكاز على القيم الكونية للحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، بما في ذلك المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، فصل السلطة عن الثروة، والتوزيع العادل لهذه الأخيرة.
قد تكون مفيدة العودة قليلًا إلى الوراء، في محاولة لفهم بعض خلفيات قرار تشكيل هذا التحالف. وهنا، لا بد من الإشارة إلى ما ميز المشهد السياسي المغربي، إبان الربيع العربي، والنسخة المغربية لهذا الربيع ممثلة في حركة شباب 20 فبراير، حيث شكل اليسار أحد التوجهات الداعمة هذه الحركة، بما أضفى نوعاً من الزخم النضالي لليسار، كان قد افتقده سنوات بحكم الأزمة التي يمر بها، في السنوات الأخيرة.
على أن الطريقة التي تمت بها إدارة هذا الحدث، بدءاً بالخطاب التاريخي للملك محمد السادس في 9 مارس/ آذار، مروراً بالتعديلات التي أدخلت على نص الدستور، وإقرار انتخابات سابقة لأوانها، قد ضيّقت الأجواء نسبياً على حركة هذا الشباب. نظراً لكون الحزب الإسلامي المتصدر للانتخابات كان يعتبر تياراً صاعداً، سبق أن عانى، هو الآخر، من كل أشكال التضييق والحصار من السلطة، وربما كانت فرصته قد حانت مع هبوب رياح الربيع، ليتصدّر قوائم النتائج، حيث اعتبرت التعديلات التي أدخلت على الوثيقة الدستورية صيغة متقدمة، حظيت باستحسان جزء من الفرقاء السياسيين، وتم التصويت عليها بالإيجاب.
غير أن جزءاً من اليسار لم يتفاعل إيجاباً مع ما اعتبره التفافاً من السلطة على الحركة النضالية التي كانت قد أطلقتها حركة 20 فبراير، وهو ما تجلى من خلال التصويت بـ"لا" على الوثيقة الدستورية، وتمت عملية مقاطعة الانتخابات التشريعية التي جرت أواخر 2011، حفاظاً ووفاءً للخط النضالي التصاعدي الذي عرفته المرحلة، وللتعبير عن عدم الرضى الذي عكسه اليسار في الجسد المغربي، من توجهات واستراتيجيات.
ومع أجواء الربيع، توارى إشعاع هذا التيار، متأثراً بالانحسار الذي يختبره اليسار عموماً، جاء هذا تزامناً مع تصاعد إشعاع الحركات الإسلامية في المغرب. كل هذه الأمور جعلت اليسار في وضعية لا يحسد عليها، ما دفعه إلى مضاعفة الجهود التي تمكّنه من أن يبقي على نفسه حاضراً في المشهد العام الوطني، الأمر الذي تأتّى له عملياً من حيث خلقه إطاراً تحالفياً جديداً تمت تسميته بالفيدرالية. حاول هذا الإطار أن يبقي شعلة اليسار متّقدة في المشهد الإعلامي الوطني، من حيث قيامه بمبادرات تسير في هذا الاتجاه، منها فتح إمكانية الالتحاق بهذا التحالف لكل الهيئات المدنية والسياسية والنقابية، كما حرص على إطلاق النقاش حول الجسم الفيدرالي بين أنصاره على المستوى الوطني والجهوي الإقليمي، وعلى الصعيد المحلي، حتى يتسنى له إنضاج مشروع ورقته السياسية، ومن حيث محاولته إعطاء نوع من الديناميكية لنضالات الشباب اليساري، من داخل الجامعات المغربية، للخروج من واقع التشرذم والتشتت، ومن دون إغفال باقي الوجهات الأخرى، ذات العلاقة بالنضال المدني والحقوقي، وإنجاح محطات نضالية، كما هو الحال مع  ما حصل مع المشاركة في الإضراب الوطني.
وعلى المنوال نفسه، فسحت هذه المبادرة المجال للمكونات الحزبية الثلاثة للاحتكاك والتعايش مع بعضها، لإنضاج فكرة المشاركة الجماعية في الاستحقاقات الانتخابية، الأمر الذي تمت المصادقة عليه بالإجماع، وهو ما دفع الفيدرالية لتعلن استعدادها للمشاركة في كل الاستحقاقات الدستورية المقبلة، من انتخابات جماعية وبرلمانية وغرف مهنية.
إلا أنه يبدو أن قرار "الإجماع الكلي على المشاركة" في الانتخابات غريباً نسبياً لدى العارفين بالأجواء التي تسود، عادة، في جسم اليسار، فاليسار كما نعرفه يستعصي على التنميط، وينحو بطبعه نحو التدقيق. وربما يكون قد تعامل سياسياً مع مسألة المشاركة بالشكل الذي يبدو فيه "القرار" نابعاً من الكيانات الثلاثة التابعة لجسم الفيدرالية، حتى يتم القطع مع أي تبرير، قد يلجأ إليه بعض هذه المكونات وراء المقولة الفضفاضة "بأنه حفاظاً على جسم الفيدرالية، ارتأينا أن نمضي في اتجاه المشاركة على الرغم من تحفظنا على هذا المنحى". لقد بدا واضحاً، هذه المرة، أن المكوّنات الثلاثة كلها قالت "نعم للمشاركة"، وانتهى الكلام.
في تقديرنا، لم يكن هناك تأسيس جيّد "لقرار المشاركة"، ويبدو كما لو أن هناك انتقالاً من موقف إلى نقيضه تماماً. وحبذا لو كانت هناك دوافع قوية، تبرر أمر المشاركة، إذ يشعر المرء كما لو أن هناك اعترافاً ضمنياً بمجموعة من التحولات التي حصلت في البلاد، إلا أن الجسم الفيدرالي لا يريد أن يقر بذلك.
ربما تكون الفدرالية قد اقتنعت بأن قطار الثورة قد مر مع أجواء الربيع، وأن وصفة الثورة ليست بالضرورة الوصفة المثلى لتغيير واقع الحال. وأن النضال من داخل المؤسسات يمكن أن تكون له مميزات بالإمكان استثمار مجالها، ولا سيما في الظرفية الحالية التي تخلو فيها الساحة من أحزاب يسارية، يمكنها أن تنافس الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية في معترك الساحة الانتخابي.
 
avata
avata
سعيد الزغوطي (المغرب)
سعيد الزغوطي (المغرب)