عن اليونان وانتصار اليسار

عن اليونان وانتصار اليسار

05 فبراير 2015

تسيبراس في أداء اليمين رئيسا للحكومة اليونانية (26 يناير/2014/الأناضول)

+ الخط -
انتصر حزب سيريزا في الانتخابات اليونانية، وبات يحكم. الحزب جديد، تشكّل على ضوء الأزمة الطاحنة التي تعيشها اليونان، وأدت سنة 2010، أي قبل الثورات العربية، إلى حراك كبير، وثورة عارمة لم تكن سوى احتجاج على الأزمة الاقتصادية في البلد، والتي أدت إلى إفقار كبير وبطالة عالية. وإذا كانت الأزمة تتمثل في حالة الإفقار هذه، فإن الدولة كانت تعيش أزمة، نتيجة تراكم المديونية بما تجاوز مجمل الدخل القومي، حيث باتت عاجزة عن سداد فوائد هذه الديون، وأصبحت مهددة بالإفلاس.
بالتالي، أصبحت اليونان تعاني من أزمتين، أزمة مجتمعية تتعلق بالبطالة والفقر وانهيار الفئات الوسطى، وأزمة الدولة التي لم تعد تستطيع سداد ديونها. لكن، بدل أن تولى الشعب الأولوية، فيجري تجاوز حالة البطالة والفقر، اهتمت البورجوازية اليونانية، ودول الاتحاد الأوروبي، بمديونية الدولة، حيث كان واضحاً أن إفلاس اليونان سوف يقود إلى انهيار بنوك أساسية في فرنسا وألمانيا، البلدين اللذين يحظيان بالنسبة الأعلى من ديون اليونان. لهذا، هرع صندوق النقد الدولي، وكل من ألمانيا وفرنسا، إلى تقديم قروض جديدة، لتستطيع الدولة اليونانية سداد الفوائد المستحقة. لكن، أيضاً فرضت سياسة تقشفية شديدة الصرامة مقابل ذلك، ما كان يعني مزيداً من البطالة والإفقار، أي مراكمة الأزمة المجتمعية. وهو ما كان يشير إلى سياسة الطغم المالية التي تعمل على مراكمة ثروتها ومركزتها بشكل أشدّ، من دون حساب لعواقب ذلك على الشعوب. وسارت البورجوازية اليونانية في المسار نفسه، فهي، أصلاً، من راكم الديون على الدولة، في سياق مراكمة ثروتها هي، وهي معنيّة بأن تزيد من المراكمة من دون اعتبار للشعب.
كانت السياسة التقشفية التي جرى اتباعها ستقود، حتماً، إلى انهيار الحكومة التي تمثّل الرأسمالية، في بلد أفضى انهيار وضع الشعب إلى حراك كبير أصلاً. ثم كان الحراك وتفاقم الأزمة يدفعان نحو تشكيل "يسار جديد"، بعد أن فشل اليسار السابق عن متابعة الأحداث، وظهر متخلفاً عنها، فلم يستطع أن يطرح ما يوازي الأزمة، وما يستجيب لمطالب الشعب. في هذا السياق، تشكّل حزب سيريزا لتوحيد مجموعات ماركسية ويسارية عديدة، ولأجيال شبابية، تميل نحو اليسار، معبّراً عن رفض الوضع المزري الذي يعيشه الشعب، ورفض السياسة التقشفية التي فرضها الاتحاد الأوروبي على اليونان. ربما هذه هي حدود التوافق بين كل تلك المجموعات، مع غموض الرؤية في ما يتعلق بالبديل الضروري في هذا الوقت. فلا المجموعات الماركسية طرحت بديلاً واضحاً، ولا الشباب وصل إلى مرحلة بلورة البديل نتيجة "نقص الوعي" الماركسي. وهذه حالة أحزاب تشكلت في إسبانيا وإيطاليا، وربما تتشكل في بلدان أخرى. حيث يظهر رفض ما هو قائم، من دون وضوح ما يجب طرحه بديلاً.
يجعل هذا الأمر التساؤل حول ما يمكن أن يفعله حزب سيريزا، بعد أن وصل إلى السلطة، هل يستطيع إلغاء الديون التي نهبتها الرأسمالية اليونانية، وأفادت الطغم المالية العالمية؟ أو هل سيغيّر الطابع الرأسمالي للاقتصاد لمصلحة اقتصاد اشتراكي؟ وأصلاً، هل تتوافق مجمل أطراف الحزب على ذلك؟ أسئلة لا بد من الإجابة عليها، وربما يقود عدم الإجابة إلى فشل الحزب في السلطة. وبالتالي، تفككه وانهياره. لقد بُني الحزب عبر رفض سياسات، وبالتالي، ربما يقوم بتغييرها. لكن، هل يمتلك الرؤية التي تؤهله لأن يؤسس اقتصاداً جديداً، يحلّ المشكلات المجتمعية ويطوّر الاقتصاد؟
هذا هو التحدي. لكن، ليس تجاوز الرأسمالية مطروحاً على برنامج الحزب. لهذا، سوف يدخل في أزمة، لأن حل مشكلات اليونان لا تتحقق إلا عبر ذلك، فالبقاء في النمط الرأسمالي يعني استمرار المشكلات وتصاعد الأزمة المجتمعية.
ربما هذه مرحلة أولى من تبلور ماركسية جديدة، تتسم بالضعف النظري، وتحمل بعض الأوهام الرأسمالية.