حوار الفشل الليبي المتكرّر

حوار الفشل الليبي المتكرّر

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
انتظمت حوارات متعددة منذ اندلاع الأزمة الليبية، ابتداء بحوار غدامس الأول، وما تَبِعه من حوارات متجددةٍ، في المدينة نفسها، بين أطراف سياسية واجتماعية ومؤسسية مختلفة (المؤتمر الوطني- البرلمان- حكومة وحكومة- أحزاب- ومؤسسات مدنية)، مؤثرين على الأرض وغير مؤثرين، فاعلين وغير فاعلين، قبائل وأشخاص.. التقى جميعهم في حوارات متكررةٍ ومتجددةٍ برعاية أمميةٍ، وتحت إشراف مبعوثين مختلفين للأمم المتحدةِ، في سنوات الأزمة. وبرعاية دولية وعربية، أيضاً، وكذلك اجتماعات جانبية مع دول الجوار، متعددة الاتجاهات والمشارب، حتى وصلوا إلى مرحلة الاتفاق الذي كان موضع رفض كثيرين، حتى إن بعضهم أطلق عليها مرحلة الإقصاء، وليس التوافق، وذلك لإقصاء الفاعلين على الأرض من كلا الطرفين، ليُصار إلى وفاق مزعوم، برعاية أممية عرف فيما بعد بـ "اتفاق الصخيرات"، واعترف العالم به، وأُنشئ على أثره مجلس رئاسي يُسيّر دفة البلاد، وكذاك حكومة تنبثق عنه.
ومع أن هذا الاتفاق يفترض به أن ينهي الأزمة في ليبيا أولاً، وتقف الحوارات عنده ثانياً، ما حدث هو نقيض هذا كله، فالأزمة لم تُحل، والحوارات لم تتوقف، والأدهى تعنت الموقعين عليه بعدم التعديل، وكأنهم قادرون على فرضه على الواقع، وهذا ضرب من الخيال في الأزمة الليبية. ذلك عند توقيع الاتفاق، واليوم بعد نحو عامين على فشله، وتوالي الأزمات الاقتصادية في البلاد، وانحدار المستوى المعيشي للمواطن، نراهم اليوم، أي الموقعين على اتفاق الصخيرات، يجتمعون مجدداً بمبعوث جديد للأمم المتحدة، هو غسّان سلامة، بغرض "التعديل" المرفوض بشدة عند التوقيع، والطالبين له اليوم! وكأننا نسير في دائرة مغلقة، لا يقودها إلا الموقعون على اتفاق الصخيرات حصراً، غير القادرين على تسيير ما يتفقون عليه على الأرض، غير أن بوادر تغيّر مجريات الحوار بشأن الأطراف المشاركة بدأ يظهر في الحوارات الأخيرة، وهذا حسنٌ إن وَجَد صداه على الأرض من الأطراف المختلفة الفاعلة، غير أولئك الموقعين على الاتفاق، وإن كان متأخراً. لكن لا بأس به في حالة عدم تحجيم أدوار غير الموقعين، وهذا لا يتأتى بالآليات المُشوهة التي وقع بها اتفاق الصخيرات، والتي نقف عندها في وقفات:
أولا: يجب أن يكون اتفاق الصخيرات، بمفهومه العام، شاملاً لكل الأطراف المتنازعة، وأن يشتمل على مصالحة حقيقية على أرض الواقع قبل اعتماده، غير أن ما حدث نقيض ذلك كله، فمنذ اليوم الأول لتوقيعه، بُني على تهميش أطراف فاعلة على الأرض وإقصائها، إذا لم نقل إنهم الأطراف الأساسية في المشهد والأزمة (المؤتمر والبرلمان)، وهذا مما يجب ألا يتكرر وينبغي استدراكه.

ثانياً: الاعتماد على مبدأ المغالبة عند الاتفاق والرهان عليها عند الموقعين. وعند النظر إلى "المغالبة" بتجرّد، نجد أن مغالبة الموقعين "وهمية"، أو حتى غير واقعية، بخلاف المعارضين للاتفاق، فمُغالبتهم حقيقية وواقعية.
ثالثاً: بعد التوقيع على الاتفاق أتاح المعارضون له الوقت ولو نسبياً، لإثبات وجوده، بغض النظر عن معارضتهم له، كون الاجتهادات تختلف من فئة إلى فئة، ومن شخص إلى آخر، غير أن المُسيّرين لهذا الاتفاق، بدل أن يثبتوا نجاحهم، أثبتوا فشلهم بكل وضوح، وخصوصا في أمور المواطن الليبي المعيشية.
رابعاً: الاعتراف الدولي بهذا الاتفاق والمجلس الرئاسي المنبثق عنه ميزة قوية كان عليهم توظيفها في إنجاحه، وخصوصا في السياسة الخارجية التي تعتني بالشأن الليبي، وهذا ما لم يكن.
هذا باختصار ما صار إليه الاتفاق، وحواراته المتجددة في الشأن الليبي، ليجعل كل مُتتبع له يقف مليّاً عند طرح الحوار مجدّداً بالآليات السابقة وبالشخوص الأولى، فالأولى أن يقف عند هذا الحد، لا أن يتجدّد بحوارات أخرى، لغرض تعديله (الآن) بالأطراف نفسها الموقعة عليه في البدء، والرافضين حينها أي تعديلات جديدة.
واليوم، بعد الحوار المتكرّر والفشل الواضح، وبعد مرور نحو عامين عليه، ينعقد الحوار مجدداً في تونس العاصمة، بين الأطراف نفسها وفي الاتجاه نفسه، ويريد الموقعون على اتفاق الصخيرات تعديله قبل التوقيع، في حين أن هناك من هو أولى منهم في ذلك، تعديلاً واتفاقاً وتأثيراً.
قد يقول قائل: ما الحل إذا؟ والجواب: الحل يجب أن يكون متوازناً مع الواقع، وكذلك مُتضمناً الفاعلين على الأرض، وينبغي على من فشل في المرحلة السابقة أن يعلن فشله، ويترك المجال لغيره، حتى يصار إلى حوار حقيقي بين أطراف فاعلة على الأرض، يُمكنهم تنفيذ ما يتفقون عليه. وكفى للحوار الفاشل أن يتكرّر.