بأيّ حال عدت يا عيد؟

12 سبتمبر 2016
+ الخط -
على وقع تجاذبات السياسة وصراعات النفوذ وأنين الأبرياء، يطلّ العيد محمّلاً بكلّ تفاصيل الواقع الذي يجسد الشرق الأوسط الجديد الذي يعكس تفاهمات كيري ولافروف.
العيد الذي يمنح الجميع درجات متفاوتة من الاحتفال به، ويتفق معظمهم في التركيز على الشعائر الرئيسية التي تربطهم بالخالق، بعد أن فرض عليهم واقع لم يألفوه.
لم يبق من العيد سوی الشعائر الدينية التي يؤديها المسلمون علی هذه الأرض التي كان جزء كبير منها يمتد من الصين وحتی الأندلس، تشرق عليها الأعياد والفتوحات؛ كان ذلك قبل قرون، قبل أن تتغيّر جغرافيا الأرض، وفقاً لسنن الله الكونية لحكمة لا يعلمها أحد سواه.
الشعائر فقط هي من بقيت، أما المعنی الذي يشير إلی الفرحة والبهجة فاسألوا عنه أطفال حلب وإدلب، وتحسّسوه في شوارع تعز، وابحثوا عنه في شواطئ غزة ومعبر رفح.
ابحثوا عن معنی العيد في أحياء الفلوجة وداريا والمعضمية، إن سمحت الطائفية المقيتة لكم بالبحث عن ذلك، وفي بقايا الأطلال والمنازل المسكونة بالخوف، وركامها الذي التصق بالأرض من دون سابق إنذار.
ابحثوا عن معنی العيد في أروقة مؤتمر غروزني الذي انشغل بالبحث عن أهل السنة والجماعة، وذهب مرتادوه إلی أرضٍ محتلةٍ يحكمها بوتين، وكان بإمكانهم الذهاب إلی سورية، فهي أقرب ليعرفوا أتباع السنة عن قرب، ويمدّوا أياديهم لإخراجهم من تحت الركام، ونفض التراب عن وجوههم.
لكن، وبما أنّ القوم قد وصلوا إلى الشيشان، فلا مانع من البحث أيضاً عن أهل السنة والجماعة هناك، فهم أقرب إليهم من لمح البصر. هذا إن أرادوا أن يعذّبوا ضمائرهم، إن كانت حيّة بمشاهد المأساة التي لم تنتهي بعد.
ابحثوا عن العيد في جيوب آلاف الهاربين من أوطانهم صوب أوروبا التي أضحت قبلة اللاجئين، واسألوا الحواجز التي نصبت عند حدودها إن كانت تتسع لبسمة فتاة أو لتجاعيد شيخ نال منه الزمن.
بإمكانكم أيضاً أن تبحثوا عن العيد في قوارب الموت التي تلقي بأحبابها في عرض البحر الأبيض الذي يحتضن في أعماقه مئات الضحايا، بعد أن أخرجوا من ديارهم قسراً، ولم يمنحهم الوطن متر مربع ليدفنوا فيها، ومن كان في شك من ذلك فليذهب إلى قبر إيلان الذي لم يتسع له وطن الجلاد الفرد.
هو العيد يحدّثنا عن فرحته وبهجته، ونحدّثه عن بكاء الأطفال وصيحات التكبير عقب كل صاروخ يعانق أحياءنا ومدننا، يحدّثنا عن صلة الرحم وزيارة الأقارب، ونحدّثه عن الأحباب الذين نشيّعهم كلّ يوم إلى السماء وصلة المقابر، نزور قبورهم لنفرح بما عند الله، لنحظى برحمته وغفرانه إذ يتربّص بنا الموت في كل لحظة.
هو العيد الذي أصبح دماً في شوارع المدن، ومجاعة في زمان الحصار، وأضحية في عصر القربان الذي يقدّمه المسلمون كل يوم من دمائهم.

19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
19FC6C15-927F-41BA-96AD-BF13E96622C4
منذر فؤاد (اليمن)
منذر فؤاد (اليمن)