سلامات إلى حلب

سلامات إلى حلب

04 مايو 2016
+ الخط -
حين رزقت ابني محمد، وكنت يومها أعيش في مدينة حلب، احترت أين أضع سرّته (ما يبقى من الحبل السري الذي يربطني به)، أشارت إلي صديقات بوضعه في ركن خاص بإيفاء النذور لله في الجامع الأموي، وذهبت يومها إلى الجامع، وقرأت القاتحة على روح كل من دفن هناك، وأودعتها هناك، ولم أكن لأخرج من الحرم من دون أن أصلي قليلا، وأجلس في محرابه، واليوم وأنا أرى ما يحدث في حلب من دمار، أدرك أن كل ودائعنا تضيع من دون أن نرى أي بديل أفضل.
دُمرَّت حلب، وكان كل من فيها يسكنها وتسكنه بذكريات لا يمكن أن تمر من دون أن يموت صاحبها في اليوم آلاف المرات.
الجميلية: كان يفترض أن تسمى الجميلة بأسواقها ومحلاتها، وكل ما فيها ومن فيها، فأينما تولي وجهك شطر محلاتها ستغمرك باللهفة لأن تبتاع منها، ليمض وقتك من دون أن تشعر أن الزمان مرّ ولم يتسع لانتهاء ما تريد.
العزيزية: هذه العزيزة على أرصفتها ترنحت خطاي بين مشوار مرة، وعبور مرة أخرى، وكل من مشى فيها أدرك فخامة تلك المدينة التي ترتدي ثوب البهاء، وتمنحك على مد النظر أبهى الأماكن وأعظمها.
سيف الدولة: شارع يمكن أن يتحول وصفة طبية لكل من يشعر بالوحدة والفراغ، هو شارع البسطاء الذين غبّوا من خيرات ذلك الشارع وسوقه أطيب المشروبات وأزكى المأكولات، ولن تنسى أن تستجيب لنداء بسطاتها، فهي تغريك بشهيات الحلل.
ساحة الجامعة: وآخ على ذكريات لا تكتب، ولم نعرف قيمتها لكن بمرور الزمن شعرنا بحلاوتها، وجوه من كل مكان في سورية، بل ومن العالم، وكلها منشغلة بقضاء الثواني لإنهاء أعمالها، تدخل من هذه الساحة إلى الكليات الجامعية، ليملأك عبق التاريخ بأبنية ستظل شاهدة في مخيلتنا على تلك الحضارة التي لن تبيد.
أما آخر محطاتي فهي التي كانت وستبقى مسك ذاكرتنا: حلب القديمة والقلعة، بوجوه أربابها الطيبين الذين تسافر مع ابتسامتهم لعهد تشعر أنه بعيد وساحر. دُّمر هذا الحي، ولم يبق دمع إلا وذرف عليه، وعلى القلعة التي كنا نسند ظهورنا على جدرانها كلما ضعفنا.
هذه ليست كل حلب، فأبوابها، وأسواقها، وشوارعها كلها منحوتة كلوحة زيتية نحملها داخلنا في يقظتنا، وحتى عندما ننام لتجمّل أحلامنا التي حولتها الحرب كوابيس، فهل تُنسى حلب؟
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
ABC99897-CFDB-4E99-A44B-6CE304011C62
يسرى السعيد (سورية)
يسرى السعيد (سورية)