زعبرة

زعبرة

04 مايو 2016

نتنياهو وأعضاء من حكومته في الجولان السوري المحتل (17إبريل/2016/Getty)

+ الخط -
في خطوة استعراضية، اصطحب بنيامين نتنياهو حكومته إلى الجولان في 17/ 4/ 2016، أي في عيد الجلاء عن سورية، ليعلن ما يلي: "آن الأوان، بعد خمسين عاماً، كي يعترف المجتمع الدولي بأن هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد تحت السيادة الاسرائيلية".
يكشف هذا الموقف روح اللصوصية لدى حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو، ويعكس رهاناً انتهازياً على تفكك سورية إلى وحدات طائفية وإثنية متنازعة، الأمر الذي يجعله قادراً على القول إنه لن ينسحب من الضفة الغربية أيضاً، بعد أن مضى خمسون عاماً على احتلالها. وعلى هذا المنوال، هناك تصريحات متطايرة لوزير الأمن الإسرائيلي، موشي يعلون، عن أن سورية لن تعود موحدة أياً تكن التسوية التي سيتم التوصل إليها لوقف الحرب.
لن تعود سورية إلى ما كانت عليه؟ هذا صحيح. أما أنها لن تعود موحدةً فهذا مجرد رهان يعكس أمنيات الاسرائيليين. وكثيراً ما سعت الانتهازية الإسرائيلية إلى الاستفادة من الحوادث الدموية في سورية، لانتزاع نوع من القبول الدولي باستمرار بقائها في الجولان. غير أن اغتنام ضعف العرب لتثبيت وقائع سياسية ذات طابع قومي من شأنه أن يصبح سابقة خطيرةً لاستمرار بقاء إسرائيل في الضفة الغربية أيضاً، ونسيان قضايا اللاجئين وحق العودة بحجة مرور الزمن.
إن تصريح نتنياهو في شأن "البقاء الأبدي" في الجولان هو الحقيقة المضمرة في عقل معظم الإسرائيليين. ومهما يكن الأمر، فإن نتنياهو الذي اشترط اعتراف الفلسطينيين بيهودية إسرائيل، كشرط مسبق وتعجيزي في المفاوضات، يمارس كذباً مفضوحاً حين يصرح بأن إسرائيل لن تنسحب من الجولان، وهو يعرف تماماً أن الأمور مرهونة بموازين القوى؛ فما دام السوريون على ما هم عليه من الهوان، فهو يستطيع أن يعربد كما يحلو له. لكن، في ما لو تغير الاستاتيكو الحالي، فسيغير نتنياهو موقفه بالتأكيد، غير آبه بمواقفه السابقة. وعلى سبيل المثال، فقد أقدم داني ياتوم الذي كان سكرتيراً عسكرياً ليتسحاق رابين ورئيساً للموساد لاحقاً، على تسريب وثيقة رون لاودر في سنة 2000 التي فضح فيها "زعبرة" نتنياهو. وهذه الوثيقة صاغها الثري الأميركي رون لاودر الذي أدار مفاوضات غير مباشرة بين نتنياهو والرئيس حافظ الأسد في عام 1998، وتضمنت تعهداً من نتنياهو بالانسحاب من هضبة الجولان كلها، حتى حدود الرابع من حزيران 1967 في مقابل الموافقة السورية على ترتيبات أمنية ملائمة، ومنها وضع محطة الإنذار في جبل الشيخ تحت إدارة أميركية- فرنسية مشتركة عشر سنوات.
أنكر نتنياهو أخبار هذه الوثيقة، إلى أن نشر نصها الكامل داني ياتوم، فأَلقمه حجراً. والأمر نفسه جرى مع "وديعة رابين"؛ ففي 24/ 5/ 1995، توصل السوريون والإسرائيليون إلى تفاهم غير مكتوب في شأن الجولان، وهذا التفاهم صاغه الرئيس كلينتون في رسالة إلى الأسد في 16 /6 /1995 جاء فيها: أبلغك أن في جيبي التزاماً من رئيس الوزراء رابين بالانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 في إطار اتفاق سلام كامل وآمن". وكما هو معروف، فإن الحكم استمرار، ولا يجوز لرئيس جديد نقض ما تعهد به الرئيس القديم. لكن نتنياهو يتصرف كرئيس عصابة: يُنكر وثيقة رون لاودر، ويرفض وديعة رابين، ويعرض التفاوض مع السوريين، ويعلن أنه لن ينسحب من الجولان. فعلامَ يتفاوض إذاً؟ وهذه البهلوانية هي نفسها التي يمارسها في فلسطين أيضاً؛ فهو يريد استئناف التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ويزعم أنه مستعد للتسوية بين الطرفين، وفي الوقت نفسه، يشترط الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل، ويرفض تفكيك المستوطنات والانسحاب من القدس الشرقية وحل مشكلة اللاجئين وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.
هذه "الزعبرة" السياسية ستدوم مادامت أحوال الفلسطينيين والعرب على ما علمتم وذقتم. لكن، مَن يضمن لنتنياهو ولليمين الإسرائيلي دوام هذه الحال؟