لماذا هذه الضجة بشأن ليبرمان؟

لماذا هذه الضجة بشأن ليبرمان؟

26 مايو 2016

لا يختلف أحد بشأن عنجهية ليبرمان وعدوانيته (25 مايو/2016/Getty)

+ الخط -
منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الاتصالات الإسرائيلية الداخلية لتوسيع حكومة بنيامين نتنياهو، وضم حزب إسرائيل بيتنا اليميني القومي، بزعامة أفيغدور ليبرمان، لها، بدأت وسائل الإعلام العربية والدولية التعاطي مع الموضوع بشكل لافت ومهم. حيث بدا وكأن المنطقة ستدخل في حالة جديدة من التطرّف والحروب والاستيطان، وكأن الظروف الحالية من الناحية السياسية والأمنية جيدة ومستقرّة، وهنالك خشية من انهيارها، بعد انضمام أفيغدور ليبرمان لها.
لا أحد في المنطقة والعالم، وحتى في إسرائيل نفسها، يختلف بشأن عنجهية ليبرمان وعدوانيته، وكذلك حزبه، سواء تجاه شرائح يهودية غربية ليبرالية، وسواء ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية، فهو المعروف أنه صاحب مشروع ملاحقة كل الجمعيات الحقوقية الإسرائيلية اليسارية، ولجم الجهاز القضائي الإسرائيلي، والحد من صلاحيات محكمة العدل العليا الإسرائيلية، على الرغم من أنها جزء من الاحتلال ومؤسساته، لا بل إنها تحاول إضفاء الصبغة القانونية على القوانين العنصرية اليهودية، وقوانين احتلالية كثيرة يتم فرضها وتطبيقها على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس، وهو الذي يدعو إلى إخراج فلسطيني الداخل من دولة إسرائيل وحرمانهم من كل حقوقهم القومية والمدنية، وطرد فلسطيني المثلث الفلسطيني في الداخل إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، كما إنه يدعو إلى إعادة احتلال قطاع غزة، وإسقاط حكم حركة حماس هناك، واغتيال القيادي الكبير فيها إسماعيل هنية، وتطبيق أحكام الإعدام للفلسطينيين الذين يشاركون في عمليات مقاومة الاحتلال، وقصف السد العالي، ومواقف هوجاء متطرفة كثيرة.
ولكن، ليس من الموضوعية أن يحاول بعضهم إظهار القادم أكثر تطرفاً من السابق والحالي، فتاريخ وزير الحرب السابق، موشي بوغي يعلون، أكثر تطرفاً وفتكاً وقتلاً ضد أبناء الشعب الفلسطيني، حيث استشهد أكثر من 2200 فلسطيني في قطاع غزة، من بينهم أكثر من 400 طفل، وتدمير هائل في المنازل والبنية التحتية في الحرب العدوانية على غزة صيف 2014، عندما كان يعلون وزيراً للدفاع، كما أن يعلون يعتبر من قيادات الليكود المتطرفين الداعمين استمرار الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإيجاد واقع يمنع، مستقبلاً، بقاء مجال لقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/ حزيران للعام 1967. وهو اضطر لتقديم
استقالته، بعد أن تعرّض لإهانةٍ كبيرةٍ من نتنياهو، مقدمة لإقصائه من وزارة الجيش، بعد الاختلاف معه، حول قضايا تخص علاقة الجيش بالسياسة، ومكانته في المجتمع الإسرائيلي، ومحاولة بنيامين نتنياهو، والتيار الديني القومي الاستيطاني، المتمثل بقاعدة حزب الليكود، وحزب البيت اليهودي السيطرة على الجيش، وتحويله من ما يسمى جيش الدولة والشعب، حسب نظرية رئيس الحكومة الإسرائيلية الأول، ديفيد بن غوريون، إلى جيش لدولة مستوطني الضفة الغربية (دولة يهودا والسامرة، حسب التعريف العبري التوراتي)، حيث تعتبر الحكومة الإسرائيلية الحالية الأكثر تطرفاً ويمينيةً في تاريخ حكومات إسرائيل، بسبب تركيبتها التي تعكس زيادةً في قوة اليمين الديني والقومي في إسرائيل في السنوات الأخيرة، والذي يرفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، لا بل إنه يرى أنه لم يتم حتى الآن الانتهاء من تحقيق المشروع الصهيوني، المتمثل بالسيطرة على الحد الأقصى من الجغرافيا الفلسطينية، مع التخلص من الحد الأقصى من الشعب الفلسطيني، وتركهم في معازل متناثرة، غير قادرة على البقاء والصمود، حيث يرى أن الظرف الحالي الذي يشهد حالة الانقسام السياسي الفلسطيني، وما يشهده المحيط العربي من صراعاتٍ إثنيةٍ ومذهبيةٍ وطائفيةٍ فرصةً لاستكمال مشروعه.
أدّت ردود الفعل العربية والفلسطينية الرافضة والمنتقدة تعيين ليبرمان وزيراً للجيش الإسرائيلي إلى أن يستثمرها بنيامين نتنياهو وموشي يعلون، كونها تنظر إلى هذا التعيين خطراً كبيراً على المنطقة وتجدّد الحروب، وتُظهر المذكوريْن أنهما كانا حمامتي سلام، وأنهما يمثلان المركز في النظام السياسي الإسرائيلي، على الرغم من أنهما قتلا من الشعب الفلسطيني أضعافاً كثيرة من ليبرمان، المعروف عنه بالتقلب والتلون. لذلك، ليس ليبرمان أسوأ من سلفه يعلون، لا بل إن عدم خبرته العسكرية، وتناقضه مع النخبة العسكرية الحالية، قد تجعلانه أكثر تردّداً وارتباكاً، وخصوصاً أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الأكثر تطرفاً من ليبرمان، هو من يتّخذ، في النهاية، قرار الحرب والتصعيد. أما الذين يروّجون أنَّ طبخة سياسية وخاصة ستتم، بعد تصريحات الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فهذا يعكس جهلاً بالتركيبة الحكومية والحزبية في إسرائيل. ويتضمن تعيين نتنياهو ليبرمان وزيراً للحرب رداً على تلميح السيسي إلى انضمام زعيم المعارضة الإسرائيلية إسحاق هرتسوغ إلى الحكومة، وقد كتبت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن بصقة إسرائيلية في وجه السيسي من نتنياهو. لذلك، ما زال السلام الذي ينشده الشعب الفلسطيني بعيداً. وبالتالي، ليس مطلوباً سوى مزيد من الصمود وإعادة النظر في الخطاب والبرنامج السياسي الفلسطيني الحالي المعتدل الذي ينهار يوماً بعد يوم، مع زيادة التطرف الإسرائيلي.