كارثة استغلال الكارثة

كارثة استغلال الكارثة

26 مايو 2016
+ الخط -
معروف أن الكوارث توحد الشعوب، وتنسيهم الحزازات والثارات، حتى المتوغل في النفوس منها، لكن ما أصبح ملاحظاً في مصر أن الكوارث أصبحت تؤصل الخلافات وتعمقها بين أبناء الشعب الواحد.
هل من المعقول أن يفرح إنسان لموت إنسان؟ هذا تساؤل أصبح، للأسف الشديد، مطروحاً بعد ما عاشته مصر من أحداث أخيراً، مصر التي اشتهر شعبها برقة الطبع ورهافة الحس، أصبح يطرح فيها مثل هذة الأسئلة!
بمجرد حدوث كارثة قومية، من المفترض أن تدمى لها قلوبنا جميعا، تجد حالة من التربص الغريب غير المحترم، يحاول كل فريق أن يطوّع الحادث المأساوي ليخدم وجهة نظرة، فتجد حزن الحادث يتضاعف في قلوب ذوي الضحايا، بين هجوم المعارض الذي يرى هذا الحادث دليلاً على مدى الإهمال الذي تسبب فيه النظام، فيسارع بعضهم بتفسير هذا النقد الذي لم ينتق صاحبه توقيته على أنه نوع من الشماتة، وبين دفاع المؤيد للنظام الذي يريد الدفاع عن وجهة النظر التي يخدمها، بصرف النظر عن مدى صدقها أو كذبها، وبالطبع يخون أي شخص يحاول أن يوضح الحقيقة، وإن كان هذا التوضيح لابد منه.
يا قومنا، يا أهل مصر.. لماذا لا تحترمون الحزن، وتقفون صامتين، ولو لحظة أمام جلاله، أرجوكم أن تضعوا أنفسكم مكان أهالي الضحايا الذين تلحقونهم بذويهم المفقودين بصرعاتكم الدنسة.
ما أثار حزني، بعدما أثار غضبي هو حادث الطائرة المصرية الأخير، وما طاول سمعة الضحايا فيه من نقد وتجريح. لا أتصور أن أي إنسان، أيا كانت جنسيته، قد يقول إن الطيار المصري انتحر، ولا عذر لمردّد مثل هذه الأراجيف أن شبكة عالمية مثل "سي إن إن" مصدر الخبر، ألم تمرّر الخبر على ضميرك قبل أن تمرّره على عقلك، ألم تفكّر في ما أثر مثل هذا الخبر على أهل الطيار الفقيد، أتجمع على أبيه وأمه مرارة الثكل وعار الشائعة التي تردّدها أنت بمنتهي الأريحية.
رأيت كثيرين ممن يسمون أنفسهم خبراء يهرفون بما لا يعلمون، ولم يعلمه إلى وقت كتابة هذة السطور أكبر خبراء العالم، هل كنت تنتظر ضربة حظ تخدمك، فيوافق تحليلك واقع الأمر، فتنال الشهرة التي تلهث وراءها من فترة، ولم تدركها وقد وخط الشيب فوديك، اسمح لي أن أخبرك، سيدي الخبير، أنك، بهذا الفعل، لا تعدو عن كونك مقامراً، وليت الأمر اقتصر على القمار، فأنت لا تقامر بشيء تملكه، أنت تقامر بمصائر أناس، لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم .
أكرّر أن خطابي هنا لكل أهل مصر من الكرام واللئام، لا أطلب منكم أن تنظروا إلى الحوادث الكارثية، كمصريين متعصبين لوجهة نظر ما، بل أطالبكم أن تنظروا، أولاً، على أنكم جزء من الجماعة البشرية التي يطلق على الفرد منها مسمى إنسان.
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
015049DB-96A2-4A1C-B7A9-AAAE061DD525
علي خيري (مصر)
علي خيري (مصر)