عندما تتراجع شعبية حزب الله في جنوب لبنان

عندما تتراجع شعبية حزب الله في جنوب لبنان

26 مايو 2016
+ الخط -
جرت، يوم 22 مايو/أيار الجاري، الجولة الثالثة من الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي لبنان الجنوبي والنبطية، ومعلوم أن هاتين المحافظتين تعدان المعقل الأساسي لكل من حزب الله وحركة أمل، إذ يشكّل اللبنانيون الشيعة 70% تقريباً من سكانهما، فيما يستأثر الفصيلان بالتمثيل الشيعي على مستوى الندوة النيابية، ويحتكران التمثيل السياسي للشيعة على مستوى الوطن.
وقد أظهرت الانتخابات البلدية في المحافظتين دلائل لا يمكن تجاهلها، لأنها تعتبر بمثابة مؤشراتٍ على تغيّر ملحوظ في المزاج الشيعي العام، قياساً على نسب الاقتراع في الدورة السابقة في عام 2010، وعلى النتائج التي تمخّضت عنها. وكانت نسبة الاقتراع في تلك الدورة أكثر من 52% في أقضية المحافظتين، وتراجعت إلى 48.7% في اقتراع الأحد الماضي، والذي بدا لافتاً أن نسب المشاركة المرتفعة فيه كانت في الأقضية ذات الأغلبية المسيحية والسنية والدرزية، وتراجعت في الأقضية ذات الأغلبية الشيعية، ما يعني أن عزوفاً، بقدر معين، سجّل بوصفه نوعاً من الاعتراض على السياسات واللوائح التوافقية التي شكلت بين حركة أمل وحزب الله، ووجد المعترضون فرصة للتعبير عن ذلك بهذا العزوف، على الرغم من الدعاية التي اعتمدت والأموال التي صرفت.
وأظهرت المعركة الانتخابية وجوداً وتنافساً كبيرين مع اللوائح التي كانت مشكّلة ومدعومة من مستقلين، ومن اليسار اللبناني عموماً، وقد شهدت بلدات جنوبيةٌ كبرى معارك انتخابية حادة، بوجه تحالف أمل - حزب الله، واستطاعت اللوائح التي تشكّلت من الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العمل الشيوعي، ويساريين سابقين من اختراق لوائح أمل – حزب الله في بلداتٍ جنوبية كثيرة، ووصل حجم الاختراق، في بعض البلدات، إلى حدود نصف أعضاء المجالس البلدية، كما جرى في بلدات كفرمان وحولا وغيرها.
كما أظهرت المعركة الانتخابية حضوراً قوياً للمستقلين، والعائلات، والمعترضين على قياداتهم ضمن التحالف الثنائي الشيعي. وهنا تبرز بلداتٌ كثيرة شكّل فيها محسوبون على حزب الله وحركة أمل لوائح انتخابية، خلافاً لتوجهات القيادة الحزبية، بل وفي مواجهة لوائح هذه القيادة، وقد استطاع بعض هؤلاء تسجيل فوز كاسح على لوائح الحزب والحركة، كما جرى في بلدة دير أنطار الجنوبية، حيث فازت لائحة محسوبة على قيادي سابق في حزب الله على اللائحة المدعومة من الحزب والحركة، وقد أدّى ذلك إلى اشتباك مسلح، وتدخّل الجيش لوقفه. وكذلك ما جرى في بلدة جويّا الجنوبية، حيث فازت اللائحة المدعومة من شخصيات كانت على صلة بالحركة والحزب في مواجهة اللائحة التوافقية، ما تكرر في عشرات البلدات الجنوبية. وكشف هذا المشهد عن حجم الاعتراض على الثنائي الشيعي وسياسته في الجنوب، مع العلم أن معظم الخدمات في هذه المناطق يحتكرها هذا الثنائي على مستوى الدولة، ناهيك عن حصرية السلاح الذي يمتلكه تحت مسمّى المقاومة.
وبالذهاب إلى قراءة الأرقام التي حملتها النتائج، نرى أن فارق الأصوات في البلديات التي فاز فيها التحالف في مواجهة اللوائح الأخرى كان ضئيلاً، ولم يكن هناك اكتساح كبير كان يجري، وأظهرت هذه الأرقام تراجعاً ملحوظاً في شعبية حزب الله وحركة أمل، خصوصاً وأن التحالف كان يجمعهما في لوائح مشتركة. وإذا ما افترضنا أن المعركة الانتخابية كانت ستجرى على أساس كل من "أمل" و"حزب الله" في لوائح منفردة ومستقلة عن الآخر، كما كان يجري في الدورات السابقة، لكان من المؤكد أن دور المستقلين واليساريين والعائلات والمعترضين على سياسات الحزب والحركة سيظهر أكثر جلاءً وقوةً وتأثيراً مما ظهر عليه في هذا الاستحقاق.
خلاصة القول إن نتائج الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية أظهرت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن شعبية حزب الله تراجعت، وإنْ لم تصل إلى المرحلة التي يتأثر بها وينتقل معها إلى الخسارة، إلا أنها أشارت، بوضوح، إلى حجم الاعتراض الشيعي المتزايد على سياسة الحزب المتّبعة، لا سيما بعد تورطه بالقتال مع النظام السوري، والمرجّح أن يتزايد في حال استمر الحزب بهذه السياسة، حتى في المناطق التي يكنّ فيها الناس له التقدير على إنجازه تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي.