الإرهاب والمخابرات

الإرهاب والمخابرات

24 مايو 2016
+ الخط -
يشكِّل الإرهاب اليوم مادة فكرية وتفكيرية دسمة، وهو يحمل عدة مشاريع لعدة محاور، محلية وإقليمية وعالمية. يذهب النقاش الرئيس، صراحةً، إلى أن على كل عربي ومسلم أن يحمل صك براءة، في منبر إعلامي، ويخاطب العالم ويبرِّئ نفسه كل لحظة. ومن بعد آخر، نجد أن الإرهاب وجد ليكون حاملاً قضايا المجددين، وهم عائدون إلى كتب السلف، ينبشونها ليقولوا لأقرانهم من العلماء وأرباب الشعائر: ها هي أصول الإرهاب ممهورة ومؤطرة بمرجعية فكرية، ومنهم من يذهب إلى أبعد من ذلك، ليقول إن ذهنية الإرهاب مرجعيتها القرآن الكريم نفسه. ولا أدري، هنا، لمن يقدم صاحبنا الولاء، حين يوجه الشكّ إلى القران الكريم، لعلّه لم يقرأ تاريخ المنطقة، وكيف تكونت نتيجة عدة عوامل، وحتى يكون مستقبلها تحت السيطرة، كان دين الإرهاب هو المعمول به عند أجهزة مخابراتها. وبذلك وببانوراما سريعة، بإمكاننا استشراف ووضع بوصلةٍ، لنتحرك بها إلى الأمام والخلف تاريخياً. لن تكون منطقة التحرك أبعد من 38 عاماً، منذ بداية الحرب الأفغانية ضد السوفييت، واشتعال ضمير الأمة آنذاك نصرةً لأفغانستان، من شيوخها وشبابها، ليكون طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان الحدث الذي نجمت عنه عدة عمليات أرّقت الأمن العالمي، ناهيك عن دخول الجيش السوري لبنان، وبدء حركة مقاومة شهيرة.
وهناك موضة الإنتحاريين ضد الأسطول الأميركي في المتوسط، معلنين بداية حزب الولي الفقيه في تربية "إرهابيين" يشرعن وجودهم أنهم ليسوا سنة، وقضيتهم تحريرُ بلدهم وفقط. والحرب العراقية الإيرانية، وتدريب آلاف الشباب، هنا وهناك، وتأهيلهم ليكونوا انتحاريين ساعة تطلب المصالح، إلى حرب العراق والتدخل السوري من الشمال، وبعدها حادثة لوكربي الشهيرة. بالعودة إلى الساحة الأرحب، وهي أفغانستان، لنسبر هذه الظاهرة من هناك "الإرهاب"، ومن درّسه ووجهه واستفادَ منه .
وقعت على أرشيف صحيفة واشنطن بوست التي وفرت مقالة موثقة جيدا، أعادت نشرها "غارديان ويكلي" الإنكليزية، في عدد 28 مارس/ آذار – 3 إبريل/ نيسان 2002، معلوماتٍ لم يسبق أن نشرت عن عمل الحكومة الأميريكية السابقة عبر الوكالة الأميريكية للتنمية الدولية (جهاز تمويل برامج المساعدة من أجل التنمية في الخارج)، لتمويل كراريس للتربية الدينية الإسلامية، مخصصة للفتيان الأفغان، تحرّضهم على مكافحة الكفار الملحدين الشيوعيين: وقد تضمنت هذه الكتب صور عنيفة، واستمرت قيد التداول في عهد حركة طالبان حتى الاجتباح الأميركي لأفغانستان بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2011، واعتبر فقهاء دستوريون أميركيون أنّ هذا التمويل يخرق القواعد الدستورية الأميركية التي تحظر على الحكومة الأميركية استخدام الأموال العامة للترويج الديني، فيما رأى العاملون في حقل الأنشطة الإنسانية في أفغانستان أنّ هذه الكراريس المطبوعة بملايين النسخ ساهمت في نشأة جيل أصبح مؤمناً بالعنف. هذا المثال على المستوى الدولي مما أسس حالة تستفيد منها عدة أجهزة استخبارات عالمية. وعلى المستوى الإقليمي، كان النظام السوري وذراعه الاستخباراتية الضاربة أب الإرهاب وأمه، وما أدلَّ على ذلك إلا الساحة اللبنانية التي وصمها الإرهاب المجهول، بدءاً من اغتيال المفتي حسن خالد ثم اغتيال الرئيس رينيه معوّض، إلى أن وقف رفيق الحريري موقفاً لبلده، فاغتاله هذا الإرهاب الغامض.
وبالربط مع ما حدث سنة 1980 في باريس أمام باب المصعد في المكتب الذي كان يشغله صلاح البيطار، القيادي السوري البعثي، الذي اختار المنفى والصلح مع الشعب، في مقاله "عفوك شعب سورية العظيم"، نشرته جريدة الشرق الأوسط، فاستدرجه النظام عن طريق مخرج فيلم من المفترض أن يكون أحد شخصياته عن عبد الناصر، وتبين فيما بعد أن منفذي العملية ضابطا استخبارات عند النظام السوري. ووقائع كثيرة تحملنا على القول: الإرهاب دين، شعائرهُ مصادفات المخابرات السورية تحديداً.


9681CF93-48EB-4884-96D2-F065998B9D43
9681CF93-48EB-4884-96D2-F065998B9D43
أسامة منير إبراهيم (سورية)
أسامة منير إبراهيم (سورية)