الثأر من الشباب

20 مايو 2016
+ الخط -
جاء في مطلع تقرير مهم نشره موقع "العربي الجديد": "ليس وقتاً طويلاً الذي مرّ على كلام ..عبد الفتاح السيسي في أول خطاب له عقب اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، التي بموجبها تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير، حيث قال: "هو إنتو فاكرين إن رد الفعل بتاع المصريين أنا مش سعيد بيه؟ لا أنا سعيد بيه، غيرتكم على بلدكم وخوفكم عليها أمر يسعدني ويسعد أي وطني حقيقي"... حتى حكمت المحكمة، أول من أمس، على حوالى مائة شاب تظاهروا ضد الاتفاقية، بالسجن ما بين عامين وخمسة أعوام مع غرامات عالية".
هكذا ترجم الغاضبون على مواقع التواصل الاجتماعي حديث السيسي على أرض الواقع، بموجب أحكام قضائية تعبر صراحةً عن الإرادة السياسية الحاكمة.
بعد كل فترةٍ وأخرى، تأتي التصريحات من المنقلب السيسي، فينصبُّ حديثه على الشبابِ وضرورة مراعاتهم، والعمل من أجلهم، وكأن هذا التصريح الذي يتكرّر على لسانه ليس إلا مقدمةً لعمل خطيرٍ يتعلق بشباب مصر، ومعاقبتهم على مواقفهم، وعلى احتجاجهم، وعلى قولهم كلمة (لا) لهذا المنقلب، وكل سياساته التي تعبر عن معانٍ من الغدر والخيانة.
يعتبر شباب مصر، في حقيقة الأمر، الذين ينتمون إلى ثورة 25 يناير، ويعبّرون عن أهدافها غصةً في حلق المنقلب ومنظومة انقلابه، أنهم دائماً ما يعبّرون عن اللطمة تلو اللطمة لكل سياساته وأفعاله، وأنهم يقدّمون على وسائل التواصل الاجتماعي نقداً متواصلاً واحتجاجاً مستمراً على سياسات المنقلب في بيع مصر، والتفريط في سيادتها، وامتهان كرامة المواطن، والتأكيد على حرية التعبير التي تتعلق بهم، وبالتعبير عن هموم وطنهم. إنهم بذلك يمثلون ضمير مصر الحي، والترمومتر الحقيقي الذي يقاس به وعي الشعب وإرادته الحقيقية في التعبير عن كرامة المواطن ومكانة الوطن.
يمثل شباب مصر، بحق، معنى المستقبل ومعاني الأمل في بناء مصر الجديدة، والعمل على استعادة مكانتها والقدرة على ترجمة أن مصر موقع وليست موضعاً، كما يقول العلامة، الدكتور جمال حمدان، وهم إذ يعبّرون عن معاني المستقبل والأمل، فإنهم يتحرّكون صوب كل فاعليات للاحتجاج، وتقديم الرؤى المتعلقة بقضايا مصر الوطن، الحالية والمستقبلية، وبما أنهم ينتمون إلى أسرهم فإنهم يمثلون الشعب المصري الكبير، بكل تنوعاته وفئاته، بالتعبير عن ضروراته واحتياجاته، واستشعار آماله وآلامه، إنهم يعايشون هموم الوطن والمواطن.
هذا الشباب هو دائماً المحرّك لكل طاقات الاحتجاج، حينما تتحدث عن الأطباء، فأنت تشير إلى شبابهم، وحينما تتكّلم عن المحامين، فأنت تؤشر على شبابهم، وحينما تطالب بحرية التعبير للصحافيين، فإنما تتحدث عن شبابهم، وحينما تتحدث عن الطلبة ووعيهم، فأنت تتحدّث عن الشباب، وحينما تتحدث عن العمال ونشاطهم، فأنت تشير إلى مركزية الشباب في التعبير عن المطالب والاحتجاجات. في حقيقة الأمر، أنت تتحدث عن الطاقة الحية في المجتمع، والتي تعبر عن حيويته الحقيقية وتؤشر إلى مسارات الأمل وصياغة المستقبل وفاعلية العمل.
حينما تتحدث عن فاعليات الشباب ومواقفهم الأساسية في الاستفتاء حول الدستور والانتخابات
الرئاسية الهزلية التي تمت، فأنت، في الحقيقة، تتحدّث عن طاقة الاحتجاج بالامتناع عن شباب مصر الذين أعلنوا من كل طريق مقاطعة شاملة لكل هذه الأغطية الاستفتائية والانتخابية، ليعبّروا بذلك بوعي حاد، وبصيرة قاطعة عن كل ما يتعلق بهذا الانقلاب الذي يحاول شرعنة نفسه ونظمه، لكن الشباب يحرمه من ذلك كله، خصوصاً بعدما ارتكب بتفويض موهوم لكل أحداث القتل والترويع وكل المجازر التي تتعلق بميداني النهضة ورابعة.
حينما تنظر إلى السجون والمعتقلات، فأنت، هنا، تشير إلى خيرة شباب مصر والطاقات الحقيقية والكفاءات المهنية التي يطاردها السيسي، ويمارس فيها القتل والخطف والحرق والخنق، وكأن هذا المنقلب يرى، في هذا الشباب، خطراً عليه، مثلما قتل الفرعون الأطفال خوفاً على ملكه وسلطانه.
حينما ترى هؤلاء الشباب ينتفضون لكرامة المواطن العادي في مصر، حينما تقوم "دولة الأمناء والضباط" بالتلويح بسلاحهم وإطلاق رصاصاتهم على هؤلاء البسطاء والضعفاء، فيتنادى الشباب على صفحاتهم، للحديث عن بطش هذا الانقلاب وطغيانه وآلاته الأمنية المروعة الفاشية والقمعية، ليكشفوا النقاب عن هزلية التصريحات حول فردية هذه الحوادث، والتأكيد على بلطجة الداخلية.
حينما يعلن هؤلاء عن مواقفهم الواضحة والناصعة من موارد مصر التي بدّدت وهدّدت، ومن إمكانياتها التي أهدرت، ومن غاز مصر الذي سرق، ومن أرض مصر التي تباع، يقوم كل هؤلاء بعملهم هذا، بكل ما من شأنه أن يقوّض مكانة مصر، ويهدّد مواردها، فإنهم في الحقيقة يعتبرون حائط صد لكل هذه الأفعال الدنيئة التي تهدر مكانة مصر وطاقتها ومقدّراتها من هؤلاء الذين يتنازلون عن تلك الموارد ويستهينون بها.
حينما تجد هذا الشباب ينتفض، بكل تنوعاته وطاقاته، بعد التنازل عن بعض أرضه وجزره، فيؤكد أن الأرض كالعرض، لا يجوز، بأية حال، التنازل عنها، أو التفريط فيها، أو النيل من سيادة الوطن وسلامة أراضيه، إنما يعبّرون بذلك عن أنهم هم الذين يذودون عن أرضه، ويحمون حياضه، ويؤكدون أن حدود هذا الوطن هي جوهر أمنه القومي، وأن هؤلاء المنقلبين حينما يفرّطون فإنهم يفرّطون في أمن الوطن وعرضه.
حينما ترى هؤلاء الشباب يثورون لموقف المنقلب من إسرائيل، والانبطاح أمامها، ومن أجل أمنها، وبحديثه الذي يفرّط في ثوابت أمن مصر القومي، ويحاول أن يبدّل مواقف الناس من عدو أساسي، نخوض معه صراعاً مصيرياً، هو الكيان الصهيوني، فإن مقولات السلام الدافئ والخزي الفاضح إنما تعبر، في حقيقة الأمر، عن وعي هؤلاء الشباب بعدوهم الواضح، والموقف الفاضح لهؤلاء الانقلابيين من هذا الكيان الغاصب، والانبطاح الاستراتيجي أمام أهدافه وغاياته التوسعية، حتى يَرِد على لسان هؤلاء أن أمن إسرائيل يهمهم في الدرجة الأولى، وبأولوية قصوى، هم يعرفون لهذا النظام ضعفاً بادياً، حينما يجعل من تنازله لإسرائيل جواز مرور لشرعنته في بلاد الغرب والولايات المتحدة.
إنه الشباب يتخذ الموقف تلو الموقف، بوعيه الحاد وبصيرته النافذة، يعبّر عن طاقة ثورة يناير، ويعبّر عن أشواقه في إقامة دولة يناير، ويؤسس لمعاني كرامة المواطن ومكانة الوطن، حينما يتخذ هذه المواقف، فإن المنقلب يواجههم، على الرغم من كلماته أنه يهتم بهم، ويرعى شؤونهم، لا يواجههم إلا بالترويع والتفزيع والاعتقال والمطاردة والاختطاف والقتل الشنيع. إنه فقط يريد أن يجعلهم في مجموع القطيع، لكن الشباب يقول له "هيهات هيهات، نحن طاقة ثورة وضمير أمة ومكانة وطن وإرادة شعب".
ECE602C0-DB35-414B-9572-17B675CE3C2A
سيف الدين عبد الفتاح

كاتب وباحث مصري، مواليد 1954، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، من مؤلفاته "في النظرية السياسية من منظور إسلامي"، و" التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر.. رؤية إسلامية".