"ترانسفير" برعاية السيسي

"ترانسفير" برعاية السيسي

02 مايو 2016
+ الخط -
تجسّد مواقف حجاي سيلع، محرّر صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية الإسرائيلية، بدقة الشعار الصهيوني "العربي الجيد هو العربي الميت". فقد حرص سيلع، عندما كان شاباً في العشرينيات من عمره، على تجسيد هذا الشعار فعلاً ولس قولاً، من خلال انضمامه، مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لأول تنظيم إرهابي يهودي عمل ضد الفلسطينيين بعد عام 1967؛ حيث قتل هذا التنظيم وجرح عشرات من الفلسطينيين في الخليل ورام الله ونابلس؛ علاوة على أنه قطع شوطاً كبيراً في مخطط تدمير المسجد الأقصى. وبعد أن تجاوز الخامسة والخمسين، بات سيلع يرى أن العثور على عرب نافذين، ماتت ضمائرهم القومية والوطنية أجدى لإسرائيل، وتحديداً لمشروع اليمين الصهيوني، من القتل المادي، الذي مارسه شاباً.
من هنا، تلقف سيلع موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وطور عرضاً إسرائيلياً، مفاده بأن يتنازل السيسي عن مساحات في شمال سيناء لإقامة "دولة فلسطينية" عليها في مقابل دفع أموال للخزانة المصرية. وفي مقال نشرته "ميكور ريشون" بتاريخ 17-4، يكتب سيلع: "تنازل السيسي عن الجزيرتين يدلل على أن العرب لا يقدّسون الأرض، وبالتالي، بالإمكان حل القضية الفلسطينية بدون أن تتنازل إسرائيل عن شبر واحد من الضفة الغربية". ولم يفت سيلع أن يذكّر بأن السيسي قدّم، قبل عامين، عرضاً متكاملاً حول فكرة تدشين دولة فلسطينية على 6000 كلم مربع شمال سيناء، لكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كما ذكرت ذلك في حينه الصحافية إلئيت شاحر، المراسلة السياسية لإذاعة الجيش الإسرائيلي. وقد أكد الجنرال الإسرائيلي دافيد متيد في مقال نشره في موقع "نيوز ون" بتاريخ 4-4 صحة عرض السيسي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، لكنه زعم أن السيسي عرض فقط التنازل عن 1600 كلم فقط شمال سيناء لصالح إقامة الدولة الفلسطينية.

لكن الحماس لهذه الفكرة لا يقتصر على نخب اليمين الديني التي ينتمي إليها سيلع، والتي عادة ما تجاهر بسقف توقعاتها العالية على السيسي، بل إن صحيفة هآرتس التي تعبر عن الخط "الليبرالي واليساري" في إسرائيل تبنت هذه الفكرة. ويقول أمير أورن، معلق الصحيفة العسكري، إن الضائقة الاقتصادية التي تمر بها مصر تمثل فرصة بالنسبة لإسرائيل، وتساعدها على مقايضة إقامة الدولة الفلسطينية في شمال سيناء بدعم مالي "جزيل". لكن أورن "اليساري" بدا في مقاله المنشور في 12-4 أكثر بخلاً من سيلع، حيث إنه يقترح أن تتولى الدول الخليجية دفع الأموال لمصر؛ في مقابل أن "تمنحها" إسرائيل مكانة خاصة في إدارة المسجد الأقصى!. وبالنسبة لسيلع، لا تعني إقامة "دولة" فلسطينية في سيناء ضم إسرائيل الضفة الغربية لها فقط، بل أيضاً طرد الفلسطينيين من هناك إلى إقليم "الدولة" الجديدة. وفي ظل تواتر الروايات الإسرائيلية التي تؤكد عرض رأس النظام في القاهرة بالفعل إقامة "الدولة" الفلسطينية في شمال سيناء، ومع اتساع دائرة النخب في تل أبيب على ذلك، فإن السيسي يعد الحاكم العربي الأول الذي يجعل فكرة طرد الفلسطينيين من أرضهم، التي يتشبث بها هوامش اليمين المتطرف في إسرائيل، ويطلقون عليها مصطلحاً مخففاً "ترانسفير"، أمراً ممكناً وعملياً.
ما يبرر المخاوف من الرهان الإسرائيلي على السيسي في تصفية القضية الفلسطينية يأتي في ظل احتفاء جميع القطاعات الصهيونية بدوره في مساعدة إسرائيل على تحقيق مكاسب استراتيجية، لم يكن بإمكان تل أبيب تحقيقها بدونه. فقد صب عاموس هارئيل، المراسل العسكري لصحيفة هآرتس جام غضبه على بنيامين نتنياهو، لأنه نسب "الفضل" في تراجع قدرة حماس على مراكمة القوة العسكرية إلى السياسات التي تتبعها حكومته. وفي مقال نشرته الصحيفة بتاريخ 22-4، يؤكد هارئيل أن السيسي هو من "قهر" حماس، وقلص من قدرتها على مراكمة القوة العسكرية، من خلال تدمير الأنفاق وتشديد الحصار على غزة عبر إغلاق معبر رفح. ولم يفت هارئيل أن يلفت الأنظار إلى أن كل جهود إسرائيل، وكل العمليات التي نفذتها ضد حركة حماس، "حتى الانقلاب الذي قادة السيسي" فشلت في منع "حماس" من استعادة قوتها.
وقد وصلت ثقة الصهاينة بالسيسي إلى درجة أن قادة الجيش الإسرائيلي لم يعودوا يخفون مظاهر التعاون والتنسيق الاستخباري والأمني مع نظامه. ويقر يئير جولان، نائب رئيس هيئة أركان الجيش، بأن إسرائيل تزوّد الأجهزة الأمنية في مصر بالمعلومات الاستخبارية "الحاسمة" التي تلزم لإدارة الحرب ضد الجهاديين في سيناء (هارتس،27-4). من هنا، لم يكن مستهجناً أن يحذّر "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، في تقدير موقف نشره بتاريخ 19-4، من "التداعيات الخطيرة" التي ستواجهها إسرائيل في حال سقط نظام السيسي، بفعل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه مصر حالياً. وتذهب الكاتبة الإسرائيلية اليمينية، كارولين كليغ، إلى حد الجزم بأن بقاء نظام السيسي "يعد من متطلبات بقاء إسرائيل قوية وآمنة" (معاريف،8-4). ودعت غليك في حكومة نتنياهو إلى عدم التردد في مواجهة أي توجه أميركي للتخلي عن نظام السيسي، بسبب سجله في مجال حقوق الإنسان.
ما تقدم يفرض على العرب، وتحديداً المصريين والفلسطينيين، إبداء أقصى درجات الحذر مما قد يحاك في الغرف المظلمة. فيجب عدم السماح للصهاينة باستغلال أزمة مصر الاقتصادية، وتهافت السيسي الظاهري في تصفية القضية الفلسطينية وإضفاء شرعية عربية على تهويد فلسطين بالكامل، فسيناء للمصريين، وفلسطين كلها للفلسطينيين.