ثورة تتقدّم

ثورة تتقدّم

06 مارس 2016
+ الخط -
لن ينجح الروس والإيرانيون والنظام الأسدي في إعادة الوضع السوري إلى ما كان عليه، قبل منتصف مارس/آذار من عام 2011، شهر بدء ثورة الحرية التي تقدم يومياً دلائل تفيد بأنها غيرت أشياء كثيرة في سورية، وخصوصاً ما تتعين به مواقف الإنسان وأفكاره، وتلخصه نظرته إلى نفسه وأوضاعه في ضوء حريةٍ غدت مشروعه الشخصي الذي يريد تحقيقه بقدراته الذاتية، ويربط به وجوده، ومجمل علاقاته الفردية والعامة، وحياته نفسها.
في الثورات الأصيلة، يعبر مشروع الحرية عن نفسه في ظواهر عديدة، منها أولاً توسيع المجال العام وتجديده، بحيث تنضم إليه قوى وفئات اجتماعية وسياسية، كانت مهمشة أو مستبعدة عنه، أو محدودة الحضور والتأثير فيه، ويتغير الشأن العام بدخولها إليه، وبما تقدمه له من رؤى، وتمارسه فيه من أدوار مغايرة لما هو سائد، على الصعد السلطوي والسياسي والمجتمعي والثقافي/ الفكري. ومنها ثانياً، تغيير مكانة الفرد من الواقع، بمختلف تجلياته، وتحويله من منفعل به إلى فاعل فيه، لا يفتأ يبدله إلى واقع يتعين أكثر فأكثر بأفكاره وممارساته.
ومع أنه من المبكر جداً الحديث عن المآل النهائي للمجال العام السوري بعد الثوري، فإنه يمكن الجزم أننا نشهد يومياً بعض التقدم نحوه، عبر دخول قوى وتيارات سياسية إليه، لم تكن فيه وليست منه بالأصل، أو أنها كانت تمارس داخله دوراً يُجافي مصالحها، يتم بدلالة خطط ومصالح وأفكار ليست لها، ولا تعبر عنها، أدخلت إليه لتكون أداةً بيد قوى مسيطرة أو سائدة، كما في نظم الاستبداد التي تستخدم أدوار جميع الفئات السياسية والقوى الاجتماعية لصالحها، وليس لصالح المنتسبين إليها.
هناك علامات تشير إلى المنحى الذي يؤكد أننا في ثورة، وأن رهانات الحرية ما زالت رهاناتنا، وفي متناول أيدينا، على الرغم مما شهده حراكنا المجتمعي والسياسي من انحرافات أصولية متنوعة وضغوط أسدية متواصلة. من هذه العلامات ما تعيشه قرى ومدن سورية من مظاهراتٍ يوميةٍ، تطالب بالحرية وإسقاط النظام، ومنها ما عاشته بلدة عربين في الغوطة الشرقية من انتخاباتٍ لاختيار مجلسها المحلي، قالت شهادات كثيرة إنها جرت في أجواء حرية مطلقة، وتنافس نزيه، على الرغم من قصف البلدة المستمر وحصارها التجويعي. يلفت النظر أن العسكر وافقوا على منع ترشيح أي منهم لعضوية المجلس الذي اعتبروه، في الوقت نفسه، معبراً عن سيادة الشعب، وبالتالي، مرجعيتهم السياسية والأخلاقية الرسمية التي يلتزمون بأوامرها وقراراتها. ومن هذه العلامات تشكيل هيئة نسائية ضمن المجلس المحلي لبلدة الأتارب التي توصف عادةً بـ "المحافظة"، هي الأولى من نوعها على مستوى سورية. وقد وصف رئيس مجلس البلدة هذه الخطوة بـ "الرائعة والمميزة"، بما أنها أوصلت المرأة إليه، لكي تتولى شؤون النسوة ومعالجة مشكلاتهن. هنا، أيضاً، اتسمت الانتخابات بالحرية والتنافس النزيه، ومثلت المرأة فيها منظمتا مجتمع مدني، هما "شبكة أمان" ومبادرة "أنا هي".
افتقرت الثورة السورية إلى مخططٍ يحدد خطواتها بصورة مسبقة، فتولت الوقائع تعليم السوريات والسوريين ما عليهم فعله، للانخراط في مجال عام جديد، وفره صمودها خلال سنوات خمس، تذلل صعوباتها في أيامنا إرادة الحرية، وما تدفع السوريين إليه من حلول جديدة لما يواجهونه من مشكلاتٍ، كان الاستبداد يمنعهم من التصدّي لها. وها هم يتولون أمرها، وهم ينفضون نيره عن كاهلهم، في أفكارهم وقيمهم التي تجعل منهم حكاماً محليين، تقول أفعالهم إنهم سيكونون حكام وطنهم، بعد انتصار ثورة الحرية التي تغير شروط وجودهم، وتعلمهم أنه صار رهانهم الخاص، وأن عليهم تعيينه بجهودهم الشخصية، ليكون مشروع حياة متجددة، هي ما نسميه الثورة.

دلالات

E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.