رفع العقوبات عن إيران وصفر الفوائد

رفع العقوبات عن إيران وصفر الفوائد

01 ابريل 2016

25 % من الشباب الإيراني عاطلون عن العمل (18اكتوبر/2015/Getty)

+ الخط -
كثرت آمال الشعب الإيراني بتغييراتٍ يمكن أن يحدثها توقيع ممثلي بلادهم والمجموعة الدولية على اتفاقٍ حول برنامج إيران النووي. وعلقوا آمالاً كثيرة على الأمر، فكثرت التكهنات حول فوائده المتوقعة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وانعكاسه الإيجابي على ملف الحريات، وعلى مستواهم المعيشي. وكان المحور الأهم الذي حامت حوله الآمال، هو إنهاء العقوبات المفروضة على البلاد، والتي يمكن أن تثمر، بالتالي، إنهاءً للعزلة التي فُرضت عليها منذ عقود، غير أن تلك الآمال سرعان ما كسرها عدم حصول أي تغيير يذكر حتى الآن، بسبب عدم إيفاء الجهات الغربية بكل التزاماتها، وبسبب السياسات الحكومية الإيرانية. فانحسرت موجة التفاؤل في حصول تغييراتٍ أو حالة من البحبوحة، يمكن أن يتنعم بها الشعب الإيراني، بعد سنوات من الفاقة والتأزم.
وكان لأخبار تقاطر الوفود الغربية إلى العاصمة الإيرانية، بعد توقيع الاتفاق، وقع طيب لدى المواطنين الإيرانيين، معتبرين أنها ستكون فاتحة لدخول بلادهم مرحلة الدولة الطبيعية التي تعتمد اقتصاداً يسعى إلى الاندماج بالاقتصاد العالمي، فينأى، بالضرورة، عن أمزجة المشرّعين الدينيين المهيمنين على مفاصله، تخطيطاً وتوجيهاً، وفي حالات كثيرة محاصصةً. وبعث توقيع اتفاقيات بين الشركات الغربية والشركات الإيرانية الآمال بإمكانات جديدة تفسح لهم المجال، للانخراط في سوق العمل والالتحاق بالوظائف التي ستوفرها هذه الاتفاقيات. كما أنها أعطت أملاً بانتعاش قطاع الفنادق والمطاعم مع شروع الوفود الاقتصادية بالوصول إلى البلاد. والمعروف أن 25% من الشباب الإيراني عاطلون عن العمل. وتعاني البلاد من تعثر مشاريع عمرانية واقتصادية وخدمية كثيرة. كما يشهد الاقتصاد تضخماً انعكس انخفاضاً في سعر صرف العملة مقابل الدولار الأميركي، وغلاء في أسعار المواد الغذائية. وهو غلاء يخشى الإيرانيون ازدياد نسبته، بسبب توجه الحكومة نحو تصدير السلع الغذائية مع الانفتاح الجديد.
لكن الاقتصاد الإيراني، المكبل بسيطرة الحرس الثوري على مفاصله، وخصوصاً بعد ازدياد
قوة قبضته عليه، وعلى غيره من القطاعات، بعد الحركة الخضراء التي شهدتها البلاد سنة 2009، يستمر ملحقاً بالمشاريع العسكرية الخارجية التي يديرها الحرس الثوري في الدول العربية، سورية والعراق واليمن، إضافة إلى لبنان. فيخصص جزءاً كبيراً من موارد البلاد، المتناقصة بعد انخفاض أسعار النفط، لتغذية الماكينة العسكرية، وللمشاريع التدميرية في هذه البلدان، وللإنفاق على الفصائل الطائفية المسلحة التي أنشئت فيها، وتدار من طهران، علاوة على سباق التسلح الذي فرضوه على أنفسهم طوال الفترة السابقة. وتحتاج المشكلات التي يعانيها، إلى سنواتٍ كثيرة، لكي تجد طريقها إلى الحل. وكونه المتحكم بالبلاد، لم تفعل سيطرة الحرس الثوري على هذا الاقتصاد سوى تكريس المشكلات التي يعانيها، وهي مشكلات بنيوية فرضتها سياسة التدخل الفوقي، وسنوات من العقوبات الاقتصادية، ومعدلات الفساد المعتبرة أيضاً، هذا الفساد الذي أصبح، بحد ذاته، اقتصاداً آخر، لكن في الظل.
ومن ناحية الحريات، فيعي رموز النظام الإيراني، أن الانفتاح الاقتصادي يقتضي، بالضرورة، إجراء إصلاحات اقتصادية. ويخافون أن إصلاحاتٍ من هذا القبيل تترافق، عادةً، مع انفراجٍ في موضوع الحريات السياسية، وهو ما يؤرقهم ويضعهم في ورطة، وربما يكون حائلاً دونهم ودون هذه الإصلاحات في القريب، إن قدّر لها أن ترى النور يوماً. وفي الوقت نفسه، لا يمكنهم وقف عجلة الانفتاح الاقتصادي، الذي يحتاجونه لتشجيع الشركات والمستثمرين الغربيين على القدوم إلى إيران، ويفتح لهم أبواب المؤسسات المالية الغربية، لتسهيل تجاراتهم وحركة رؤوس الأموال بين طهران وبقية دول العالم، ويمكِّنُهم من استقدام التكنولوجيات وقطع الغيار التي تتعطش لها صناعاتهم، ويفتح أسواق الغرب أمام صادراتهم النفطية وغير النفطية. لذلك، لا بد لهم من تجرّع السم، وإحداث انفراج في موضوع الحريات السياسية، لكن الشعب الإيراني لن يلمس هذا الانفراج سوى بعد حين، بسبب طبيعة النظام الملتاث من نزعة الشعب للحرية، بعدما خَبِر هذه النزعة لديه في التحركات المطلبية سنة 2009.
ويبقى الأهم هو قدرة القطاع المصرفي الإيراني على استيفاء الشروط المناسبة لنجاح العمليات التجارية وتحقيق البيئة المناسبة للاستثمار. وهو ما تفتقده إيران، حالياً، بسبب استمرار القيود الأميركية المفروضة على القطاع البنكي العالمي، فيما يخص التعامل مع إيران، أو مع البنوك الإيرانية، الأمر الذي يحدث خشيةً لدى البنوك الأوروبية من الذهاب بعيداً في التعامل مع إيران. وطبعاً، سيكون هذا عائقاً أمام العودة السريعة للأموال الإيرانية المجمدة في البنوك العالمية، والمقدرة بحوالي 100 مليار دولار. ويجري الحديث، الآن، عن إعادة مبلغ 35 مليارا من هذه الأموال. لكن، أفادت تقارير بأنها تعود للحرس الثوري، أي أن فائدة الشعب المرتجاة منها ستكون صفراً. إضافة إلى ذلك، تواجه هذه الأموال خطر حجزها، بعد إصدار محكمة أميركية، أخيراً، قراراً بتغريم إيران دفع تعويضات إلى عدد من عوائل ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك، بعد أن أثبتت تورط إيران وحزب الله اللبناني فيها. وتصل مبالغ تعويضات ذوي الضحايا وشركات التأمين، مع فوائدها إلى حوالي 21 مليار دولار، ما يعتبر، بحد ذاته، ضربة قاصمة للجهود الإيرانية، ولآمال أهل السلطة في البلاد.
انتشال نصف سكان البلاد الجاثمين تحت خط الفقر من فقرهم المدقع، وتنمية المناطق النائية، وإصلاح القطاع الصناعي، وإعادة تأهيل الاقتصاد، تمثل جميعها تحديات تواجه النظام الإيراني. وقد لا تكفي الأموال الإيرانية المجمّدة، إن وجدت طريقها إلى حسابات الحكومة الإيرانية، لمعالجتها. كذلك قد لا تكفي الأموال المتوقعة من عوائد النفط والغاز بعد رفع العقوبات، أو من الاستثمارات، تلك التي قد لا تكون وازنةً، في حالة استمرار الإيرانيين بإذكاء نار جميع هذه القلاقل في المنطقة العربية وما ينتج عنها من خضات تصيب العالم. لذلك، فإن الفوائد المتوقعة لرفع العقوبات ولعودة الأموال المجمدة قد تكون معدومة، وتتكسر، بالتالي، أحلام فقراء البلاد، إن استمرت الوقائع والحيثيات على ما هي عليه الآن.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.