الثورات والثورات المضادة

الثورات والثورات المضادة

08 فبراير 2016
+ الخط -
خمسة أعوام مرت على انطلاق ثورة يناير المصرية، لتتجدد التساؤلات الكثيرة والمؤلمة حول ماهية ثورات العام 2011 العربيو، وحقيقتها من عدمه، وهل هي ربيع أم خريف لتقسيم المنطقة؟ وهل هو بالفعل شرق أوسط جديد؟
وللإجابة، لا بد من معرفة الإشكاليات التي واجهت الثورات العربية التي هزمت، على الأقل مرحلياً، بفعل الثورات المضادة، والتي تمثل أبرزها في تجذر الدولة العميقة داخل أركان الدولة، وعدم رغبة تلك الأنظمة بترك الحكم واستمرار حالة التوريث الجيني أحياناً والعسكري أحياناً أخرى، بالإضافة إلى حالة الجفاف الثقافي والمعرفة بالحقوق والواجبات لدى أفراد المجتمعات العربية، واستمرار تغذية العقول برواية الأنظمة وإرهابها في وسائل الإعلام التي تمارسها السلطات، منذ وصلت إلى ديارنا، ثم رغبة الاستعمار باستثمار خيرات البلاد، والحفاظ على مكانته في المنطقة، بإبقاء فرقاطاته وبوارجه وعملائه ودولة الكيان في مأمن عما يجري على الأرض. لذلك، فإن سياسة فرق تسد مستمرة، مرة بالمذهب والدين، ومرة بالحزب، ثم بالقبلية إلى أن تتفكك منظومة العقد الاجتماعي العربي، وهو ما يحصل الآن، والتخوف من الوصول إلى مرحلة تفتيت المجزأ أمر وارد، خصوصاً بعد صناعة داعش والحشد الشعبي، وغيرهم الكثير. ثم إن سذاجة حركات الإسلام السياسي في التعامل مع الواقع كانت سبباً مهماً في فشل مشروع الثورات العربية، وتحقيق سنة التدافع، فاعتقاد أفراد وقيادات تلك الجماعات بأن المجتمعات صورة مكبرة عن المساجد والجمعيات التعاونية التي يديرها هؤلاء، أحدث حالة عراك داخلي وتشتت داخل تلك الجماعات، خصوصاً بعد إسقاط الرئيس المصري، محمد مرسي. وفوق كل تلك الإشكالات، كان العامل الأول المتمثل في رغبة الأنظمة بالتسيد هو السبب الرئيس، لتصير الثورة أمراً لا يمكن تقبله، حتى لو فنيت الشعوب وبقيت الأنظمة وحدها في البلاد، كما يجري في سورية.
نجاح تلك الثورات يتم في العودة إلى طاولة الحوار، وإيجاد نقاط التقاء بين المعارضة والأنظمة، وعدم الركون إلى الغرب الذي يمارس دور المصلح، وهو السبب الرئيس فيما وصلت إليه الأمة من حال. كذلك، على الشعوب أن تدرك أن الرأي والرأي الآخر مشروعان، فلا تشكيك أو تخوين، ولكن بناء واتفاق من أجل الطفولة البريئة التي تغرق على سواحل اليونان، وتموت تحت القصف في حمص وإدلب ومضايا. والأمة مناط بها البعد عن التأويل الديني والتعصب المذهبي، فالإنسانية واحدة وهدم الكعبة أهون من سقوطها، وعلى الأطراف القوية احتواء الضعيفة. وعلى الأخيرة أن تقبل ولو بالفتات، حتى تتم إعادة اللحمة إلى هذه الأمة التي فقدت صوابها ورشدها، وصارت تتخبط في ردهات المؤسسات الدولية الناشزة.
وختاماً، الثور المتمثل في قيادات الانقلاب والثورات المضادة على الشعوب، لا بد وأن يزولوا عن حظيرة الوطن الكبير، فالشعوب، على الرغم من كل الوجع التي تعانيه، أدركت ثمن الحرية، وهي تدفعه على الرغم من أنفها، وسيفر الثور وتبقى الحظيرة.
32A42304-18CB-46A3-BEBC-6540B69AA29F
32A42304-18CB-46A3-BEBC-6540B69AA29F
يسري الغول (فلسطين)
يسري الغول (فلسطين)