الموصل... بوابة الاحتلال الثاني

06 فبراير 2016

مقاتلة كردية في معسكر قرب الموصل (9ديسمبر/2015/Getty)

+ الخط -
توجهت الأنظار بعد معركة الرمادي مباشرة إلى مدينة الموصل مركز محافظة نينوى التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وأعلنها عاصمة دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام منذ يونيو/حزيران 2014، واللافت حماس الجميع على المشاركة في معركة تحرير الموصل، على الرغم من أن معارك الأنبار لم تحسم بشكل نهائي بعد، وعلى الرغم من عدم وضوح دور العشائر العربية في نينوى، والتي تتدرب منذ أكثر من عام ونصف لهذا الغرض.
ولعل الأبرز في موضوع تحرير الموصل هو الحماس الكبير الذي أبداه الجانب الأميركي، معبراً عنه بمواقف معلنة للرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، ثم وزير دفاعه أشتون كارتر الذي أكد قرار بلاده "إرسال مزيد من القوات البرية لدعم القوات الموجودة"، وهو ما أثار عدة ردود أفعال مؤيدة ومعارضة تجاه الخطوة الأميركية الحالية والمقبلة، صوب العراق بشكل عام، وصوب إقليمه السنيّ (العربي والكردي) خصوصاً.
تضمن خطاب الرئيس الأميركي، أوباما، في الأول من سبتمبر/أيلول 2010، والذي أعلن فيه انتهاء المهمات القتالية للجيش الأميركي في العراق، نقطتين مهمتين؛ الأولى: "هناك بعض من قواتنا ستبقى في العراق، لمساعدته وإسناده في عمليات محاربة الإرهاب ". والثاني أن: "التزامنا بالعراق مستمر... وشراكتنا معه بعيدة المدى". ويبرز هذا الخطاب الدهاء الذي تعاملت به إدارة أوباما مع قضية العراق تحديداً، والذي كان سبباً في إخراج الجمهوريين من معادلة الفوز بالانتخابات الرئاسية، بسبب ما أفضت إليه سياساتهم في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش الابن؛ فمثلما كان العراق سبب هبوط أميركا عن مكانتها دولة عظمى من 2003 – 2011، بسبب احتلالها العراق وتدميرها مؤسساته وجيشه، ومن ثم أمنه ومستقبله. أراد أوباما أن يعيد بعض الهيبة للدولة الأكبر والأعظم في العالم، بسحب فتيل أزمة بلاده في العراق، فكان قرار الانسحاب (المؤقت)؛ الانسحاب لجيش محتل بوجهة نظر المجتمع الدولي والإقليمي ولمعظم الشعب العراقي، والترتيب لعودته جيشاً (محرراً)، تم اختيار بوابة دخوله بعناية، بعد أن صنع الإعلام والبيانات العسكرية والأعمال الإرهابية من "داعش" خطراً لا يمكن القضاء عليه، أو الوقوف بوجه تمدّده، فيما استطاعت قبيلة واحدة أن توقف تعرضات مقاتلي هذا التنظيم ومحاولاتهم احتلال مدينتهم (قضاء حديثة) في الأنبار، منذ سنة ونصف.
تشير الدلائل إلى أن أوباما سيسلم العراق للرئيس الذي سيأتي من بعده، وهو مرحب بالقوات الأميركية، لا بل ومتعاون معها، ومقاتل تحت إمرتها وبين صفوفها. وقد كانت تجربة معركة الرمادي نموذجاً، حيث شاركت الولايات المتحدة بشكل فعّال، وقدمت الآف العراقيين من قوات الجيش والشرطة ضمن خطة هجومٍ أعدتها مع بعض الضباط العراقيين، وأمنت الغطاء الجوي الفعّال والكثافة النارية المركزة التي سمحت بدخولٍ مضمون لمركز المدينة، دفع العراقيون فيه مئات من القتلى، من دون أن تكون هناك أية إصابة لجندي أميركي، وهذا مهم جداً للرأي العام في الولايات المتحدة، ولأصوات الناخبين هناك.
ينشغل الجميع اليوم بمعركة الموصل، ولكلٍّ حساباته وغنائمه، فأهل المدينة وعشائر المحافظة
تأمل أن يتحقق النصر على أيديها، بمساعدة الولايات المتحدة وتركيا، ليتمكنوا من إدارة شؤون محافظتهم بشكل ذاتي، من دون منّةٍ أو وصايةٍ من بغداد. ويرى العرب السنّة في هذه المعركة المسمار الذي سيعلقون فيه مشروع الإقليم السنيّ شاملاً، بالإضافة إلى نينوى، محافظتي صلاح الدين والأنبار. أما الأكراد، فستكون معركة الموصل خط الشروع الرئيسي لإعلان دولتهم بحدودها التي يهيئون لها بقضم مدن وأقضية وقرى عربية كثيرة، والتي استبقوا أي صحوة لحكومة المركز بشأنها، من خلال حفر خندق عميق، يمتد من خانقين على الحدود العراقية الإيرانية وحتى ربيعة على الحدود السورية.
أما واشنطن فتمارس اللعبة نفسها التي مارسها الرئيس السابق، جورج بوش؛ وهي حشد أكبر عدد ممكن من الحلفاء والمتعاونين لتوسعة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة، وجلب ما يمكن جلبها منهم، للمشاركة في الأنشطة العسكرية، سواء من الجو أو على الأرض، أو من خلال أنظمة الاتصالات، أو شبكات التعقب وغيرها. وقد باشرت القيادات العسكرية الأميركية بإطلاق التصريحات بشأن معركة الموصل، بالشكل الذي يوحي للمتلقي أنها معركة واشنطن لتحرير الموصل، بمساعدة العراقيين ودول العالم.
وحدها تركيا يبدو موقفها أو قرارها صعباً جداً في ظل الموقف من الأكراد من جهة، ومن سكان الموصل من جهة أخرى، ومن حاجتها الدعم الأميركي في حربها الباردة مع روسيا، إضافة إلى تحسباتٍ تركية كبيرة تجاه الدور الإيراني الذي تسعى طهران إلى لعبه، عبر مليشيات الحشد الشعبي الموالية لها في هذه العملية. وتعلم أنقرة أن التلاعب بالمسميات لا يغير من حقيقة الأوضاع التي تنتظر المنطقة، والدور الأميركي المباشر القريب جداً فيها، وهي تعلم أن الطريق إلى كركوك والموصل يمر عبر التنسيق الكامل مع حليفها الأميركي، وهذا مثار شك لدى القيادة التركية، وليس مضموناً حتى هذه اللحظة.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن