"ملالا السورية" ومستقبل أفضل

"ملالا السورية" ومستقبل أفضل

02 يناير 2016
+ الخط -
مرت خمس سنوات منذ بداية إحدى أبشع الحروب التي اندلعت في السنوات الأخيرة. دُمِرَت سورية عبر الغارات الجوية المستمرة، والبراميل المتفجرة والقتال المستمر الذي أدى بمواطنيها إلى النزوح إلى مناطق داخلية أخرى، أو اللجوء إلى خارج البلاد. إنها الآن مثل تجويف على الخريطة لا يملك أي مظهر لدولة. كل ما تبقى الأطراف المتناحرة، المدن المدمرة والمواطنين العزل الذين لا يملكون مكانا للهرب. قُتِل أكثر من مئتي ألف، تبعا لإحصائيات الأمم المتحدة، وشَكّل الأطفال والنساء جزءا كبيرا من الضحايا.
بعد خمس سنوات، لا يبدو أن الصراع في طريقه إلى الانتهاء، بل تتصاعد حدته. يمكن رؤية هذه الحرب حرباً بالوكالة بين قوى العالم، ما يعني مزيدًا من الدمار والرعب لمواطني سورية الأبرياء. كُتِبَ وقيل كلام كثير عن الضحايا في سورية، لكن قليلاً ما تم تقديمه لمساعدة المظلومين الذين سحقتهم الحرب، بالإضافة إلى أن تغطية هذا القدر من الرعب في سورية، أغفلت من دفع أكبر ثمن لهذه الحرب البشعة: نساء سورية.
مما لا يثير الدهشة أن النساء كن أكثر الفئات التي تأثرت بالحرب. في الثلاث سنوات الماضية، رحل 2.8 مليون شخص عن سورية، وشكلت النساء والأطفال أربعة من كل خمسة منهم رحلوا، وغالبا إلى تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق. كما أعلنت الأمم المتحدة إن 145000 من الأسر السورية اللاجئة قادتها النساء، إذ إن الرجال في هذه الأسر إما مقتولين، جرحى أو أسرى. هؤلاء النساء العزل لم يواجهن فقط محنة فقد أحبتهن، بل كان عليهن أيضا التفكير في عائلاتهن وكيفية العناية بهم. لم يعانين الفقر والجوع فقط، بل عانين أيضاً، في معظم الأحوال، من تهديد العنف الجنسي.
تواجه النساء في سورية، مثلاً، خطر الجرائم البشعة على أيدي قوات النظام، إذ أفادت التقارير بأن النساء يتعرضن للاعتقال التعسفي والاختفاء القسري على أيدي النظام، وليس من النادر تعرض هؤلاء النساء للتعذيب في أماكن الاحتجاز للحصول على اعترافات، كما تتم ملاحقتهن عن قصد أحياناً من أجل الضغط على شركائهن أو إخوتهن أو استخدامهن دروعاً بشرية. ويتم احتجاز النساء بدون تهم، وعادة ما يموت كثيرون منهن نتيجة للتعذيب، الجوع أو الاختناق، كما يشيع أيضا الاعتداء الجنسي، والذي يتم التعتيم عليه، كما يزداد العنف المنزلي.
على الرغم من ذلك كله، فقد تمتعت النساء بالقوة، على الرغم من الصعوبات المحيطة، وعملن على تحدي الصعوبات ومواكبة الظروف المتغيرة والعمل على حماية أنفسهن وأحبتهن.
إحدى الأمثلة ميسون ذات السبعة عشر ربيعاً، والتي تعيش مع أهلها في مخيم اللاجئين في الأردن، أخذت على عاتقها حماية الفتيات الصغيرات في مجتمعها من الاستغلال، وسوء المعاملة والحرمان من التعليم، حتى عُرِفَت في المجتمع الدولي بملالا السورية إطراءً على جهودها.
نساء سورية اللواتي ساعدن في تنظيم المسيرات المناهضة للنظام قبيل الحرب الأهلية، يعملن على تركيز جهودهن في الجهود الإنسانية، دعم النساء والأطفال، والمساعدة في حصولهم على المساعدة الطبية المرجوة، حتى أُطلِق عليهن في بعض الحالات "قادة الجهود الإنسانية"، كما حملت النساء السوريات مسؤولية المدارس والأماكن التي يسكنها لاجئون كثيرون، وعملن على تنظيم جهود التعليم الموجه للنساء.
يجب أن يدفع الوضع الحرج لنساء سورية العالم ليفتح قلبه وعينه على ما يحدث في هذه البقعة من العالم، وعلى الرغم من أن العالم لطالما أعلن "أنه ما من مرة أخرى" بعد كل جريمة بشعة، تَذكّر الحرب العالمية الثانية، حرب البوسنة، دارفور ورواندا، فإن أمرا أبشع يجري حاليا تحت أعين الجميع.
ومع احتفاظ السوريين بقوتهم وكرامتهم، على الرغم من كل الظروف، إلا أن واجبنا يحتم علينا أن نعاونهم للخروج من هذا الوضع الحرج. دعونا لا نضيع فرصتنا لإثبات التعاطف، الحب والكرامة. أما الذين يفشلون في مد يد العون، فعليهم إدراك قدر خيبة أملهم في أنفسهم، حين تمر تلك الأيام ولا يعد أهل سورية بحاجة للعون. كل الأمور التي كان يمكن فعلها إلا أنها لم تحدث ستغدو قادرة على إضعاف ثقتهم بأنفسهم واحترامهم ذواتهم.
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
6CDB8DD5-0266-422A-AF0D-1E8B6F808880
هارون يحيى (تركيا)
هارون يحيى (تركيا)