انتحار نظام

29 اغسطس 2015
+ الخط -
قد يبدو العنوان غريباً، ولكن هذا ما فرضه الخبر "القصة"، أو قصة "الخبر" الذي تداولته وسائل الإعلام المصرية، الأسبوع الماضي.
يقول الخبر: شعر كريم أشرف، التلميذ في الأول الإعدادي في مدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية، ببعض الضعف وعدم القدرة على بذل المجهود، فذهب به والده إلى الأطباء، وتم تشخيص الحالة، سرطان بالدم، ويحتاج إلى علاج كيماوي. ونظرا لأن والده يعمل نجاراً، وإمكاناته المادية ضعيفة، ولإحساسه بعدم القدرة على علاج ابنه، وخوفاً من أن يراه يموت أمامه، ولا يستطيع عمل شيء (هكذا فكر)، قرر والده الانتحار. انتحر الوالد. لم تنته القصة، فعند مراجعة الطفل الأطباء مرة أخرى، أقروا بخطأ التشخيص الأول، وأن الأمر لا يعدو أنيميا من الدرجة المتوسطة (يمكن علاجها بالإكثار من تناول العسل الأسود والسبانخ مع أدوية رخيصة).
انتهت القصة. قد يقول بعضهم إنها قصة عادية، تتكرر أحياناً، خصوصاً في دول العالم الثالث، حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض واليأس عند المواطنين، وأنها لا تستحق التوقف عندها، بينما الحقيقة عكس ذلك، فالقصة تعكس، بوضوح، حال البلد، وموقف النظام وأسلوبه في التعامل مع المواطنين. وبداية القصة بفقر الأسرة تماما كحال نظامنا التي يشكو دائما من سوء الوضع الاقتصادي والخسائر اليومية للبورصة وهبوط المؤشر. ثم كان التشخيص الخاطئ، وهو مثال حي لما يقوم به النظام، وليس بعيداً عما ما حدث في الأسبوع الأول من أغسطس (أسبوع الاحتفال الكبير).
وإلى الآن، لا يعلم المواطن المصري حقيقة ما تم افتتاحه، هل هو قناة سويس جديدة، كما يقسم بعضهم؟ أم تفريعة لحوالي 30 كم (20%) من القناة القديمة؟ فهل هناك تشخيص خاطئ أكبر من هذا؟ وفي النهاية، عجز النظام عن توفير الموارد المالية والمقولة الشهيرة "مفيش... معنديش"، تماما كعجز الأب الذي دفعه إلى الانتحار. وهكذا نرى أن قصة كريم تشبه تماما قصة نظامنا بكل أجزائها، وإذا كان والد كريم أنهى حياته بالانتحار، فهل يمكن أن ينتحر (عفوا يستقيل ويرحل) النظام؟ أم أنه هذا دونه المستحيلات الثلاث؟
هذه رؤية سياسية اجتماعية لقصة كريم بعيدة تماما عن المسؤولية الفعلية للحكومة حول الحادث وواجبها والتزامها بالتشخيص الصحيح وتوفير العلاج للمواطنين، بعيداً عن الغش والخداع بأجهزة "الكفتة"، والمخترعين الكبار من أمثال عبد العاطي وغيره.
.. كيف يمكن لكاتب أو إعلامي أو صحفي أن يوافق (أو يصمت) على مصادرة صحيفة في أثناء طبعها، أو فرمها بعد طبعها (كما نقلت وكالات الأنباء). ألا يعلم السيد الرقيب (الفارم)، أياً ما كان انتماؤه، والجهة التي يتبعها، أن هناك فضاء وإنترنت، وأن ما يفرمه ما أسهل أن يتم نشره.




795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
795B9830-8541-444B-B4A4-35AB0D11D51C
محمد لطفي (مصر)
محمد لطفي (مصر)