علي دوابشة ابن "الأغيار"

علي دوابشة ابن "الأغيار"

03 اغسطس 2015

آثار جريمة الحرق في منزل الرضيع دوابشة (31 يوليو/2015/Getty)

+ الخط -

لست مختصاً باللغويات، ولا أعرف الكثير عن اللغة العبرية، لكني أعرف أنها تملك جذوراً مع العربية، حتى إن إسرائيل ولفنسون، تلميذ طه حسين وأحد المهتمين باللغات السامية، يرى أن العربية والعبرية مشتقتان من الفعل الثلاثي "عَبَرَ"، أي جاز، تحرّك، في اتجاه معيّن. ويذهب ولفنسون إلى حد القول إن "عَرَبَ" هي مقلوب "عَبَر". وعلى الرغم من أن لغة إسرائيل اليوم ليست العبرية القديمة (لغة التوراة)، إلا أن هناك ما بقي منها، بعدما دخل عليها خليط من العربية واليديشية والانكليزية والألمانية.

هناك كلمة استوقفتني في قراءتي عن الهولوكوست، تستدعيها، اليوم، واقعة حرق الطفل الفلسطيني، علي دوابشة. لاحظت أن الإسرائيليين يستخدمون كلمة "شواه" نظيراً عبرياً لمصطلح "هولوكوست". فالأخير كلمة يونانية، أو كلمتان بالأحرى، تعنيان "الحرق الكامل". ويحيل المصطلح، بمرجعيته الإغريقية، إلى نوع من الأضحية التي يقدَّم فيها حيوان داجن للحرق على وقع صلوات وترانيم، بجانب مذبح الإله الذي يُراد التقرب إليه. ويبدو أن المصطلحين مستخدمان، جنباً إلى جنب، في لغة الكتابة والحياة اليومية في إسرائيل. أقصد "شواه" و"هولوكوست" التي صارت تشير، أينما قيلت، وفي أي سياق ثقافي، إلى جريمة الإبادة الجماعية التي قامت بها القوات النازية ضد يهود ألمانيا وأوروبا الشرقية، إضافة إلى أعراق أخرى، منها الغجر. فقد انقطع هذا المصطلح عن جذره اليوناني القديم، لفرط استخدامه في السياسة والسينما الغربيين، وصار حكراً على تلك الجريمة، فإن تعداها إلى غيرها، فمن موقع مرجعيته تلك.

وفي واحدة من حروب إسرائيل على غزة التي يصعب حصرها، توعَّد وزير إسرائيلي ذلك القطاع المنكوب، أصلاً، بـ"شواه"، أي بما قامت به قوات هتلر ضد اليهود. كانت تلك المرة الأولى، ربما، التي تستخدم فيها هذه الكلمة، المحتكرة من اليهود، حيال غير اليهود. فهي ماركة يهودية مسجلة، اندرجت تحتها أفلام وروايات ودعم مالي واقتصادي وتعاطف ودموع لا تزال تُذرف حتى اليوم. "الشواه" (يقابله الشي والحرق في العربية) الذي توعّد به ذلك الوزير الإسرائيلي قطاع غزة حصل، على مراحل، وآثاره باقية في أحياء بأكملها خاوية على عروشها. في غزة، سقط مئات الأطفال قتلى بنيران الجيش الإسرائيلي، غير أن جريمة حرق الرضيع علي دوابشة تقف في صف، وحدها، لوحشية صنيعها الفائقة. فالوحش الاستيطاني، وهو امتداد طبيعي للاحتلال نفسه، مهما حاولوا أن يباعدوا بينهما، لا يرى فيه القيمة البشرية التي لا قيمة أعلى منها في الوجود. لأن الوحش الاستيطاني، المصطفى، المختار، في اعتباره وخرافاته بالطبع، لا يصدر من المرجعيات العادية التي نصدر منها، نحن البشر الذين لم نبشَّر بشيء سوى بالقدر الإنساني الصعب. عن عمد وسابق تصوّر أُحرِقَ منزل ذوي علي دوابشة على من فيه. شبَّت به النيران، والفاعلون يعلمون أن أهله في داخله. فمن هم أهل هذا المنزل البسيط في نظر الوحش الاستيطاني الذي يغرف من خرافات التاريخ مفاهيم، تتفوَّق في عنصريتها على أيديولوجيا العنصريين الذين كان آباؤهم، أو أجدادهم، ضحية لها. فعندما تستحق أنت وحدك الحياة، بأسانيد خرافية يندى لعنصريتها الجبين، يتبدَّد هذا الحق، تلقائياً، عن "الآخرين" أو "الأغيار"، أو "الأمم". وقد قال مناحيم بيغن، عندما "وصل إليه" خبر مجزرة صبرا وشاتيلا: غوييم (أي أغيار) قتلوا غوييم، فما شأننا نحن؟

قتلُ علي دوبشة حرقاً لا يُحاسب عليه مرتكبه، "شرعيّاً"، حسبما جاء في كتابٍ أثار ضجة في إسرائيل، عندما نشر قبل بضع سنين، وهو "تواره ها ملك" (أي ملك التوراة) فمؤلفا الكتاب، وهما رابايان، يقولان فيه إن "قتل أطفال (غير يهود) أمر مشروع، إذا كان واضحاً أنهم سيؤذوننا عندما يكبرون". ويقولان: "قتل الأطفال الرضّع ليس لكونهم أشراراً. ولكن، لأنَّ هناك حاجة عامة للانتقام من الشعب الشرير، وقتل الرضَّع يشبع هذه الحاجة"!

يذكر أن الكتاب، المذهل في جنونه العنصري، أعدَّ ليكون دليلاً توراتياً لجنود إسرائيل في الميدان.

 

دلالات

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن