الإدارة بالاحتفالات.. قناة السويس نموذجاً

الإدارة بالاحتفالات.. قناة السويس نموذجاً

03 اغسطس 2015

موقع من الضفة الغربية لقناة السويس بالإسماعيلية (13 يونيو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
تركّز الآلة الإعلامية في مصر، منذ أشهر، بصورة مبالغ فيها، على افتتاح توسعة قناة السويس، وما سيتبعه من نعيم لمصر وأهلها، كأنه الحلم الذي سينتشل المصريين من الفقر الذين يرافقهم في سنوات الحكم العسكري، وسينقذ مصر من أزمتها المزمنة، المستمرة منذ انقلاب يوليو/تموز 2013، وسيعيد الوئام الاجتماعي، بعدما انقسم الشعب إلى شعبين، لكل منهما رب يدعوه، كما روج فنانو الانقلاب.
وثمّة تشابه كبير بين ترويج حفل قناة السويس وما سبق المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في مارس/آذار الماضي، وما صاحبه من دعاية ومزايدة علنية على حجم المليارات المتدفقة على مصر، فكلاهما روّج على أنه الحدث الذي سيغيّر مصر، وأنه حالة النجاح المرتقبة والنقطة الفاصلة في حياة الانقلاب، ولربما قبلة الحياة لنظامٍ لا يملك مقومات بقائه. وإذا كانت المقدمات متشابهة، فالمؤكد أن النتائج ستكون متطابقة، فكما استيقظ المصريون، بعد المؤتمر، على تضخم الديون، واعتماد موازنة بعجزٍ فاق التوقعات، وبلغت المساعدات والمنح الخارجية المتوقعة ملياري جنيه في العام المالي 2015/2016، في حين أن التصريحات الرسمية التي صاحبت المؤتمر أعلنت عن أكثر من مائة مليار دولار ستتدفق على مصر، ثم لم يحدث شيء.
يتوقع المسؤولون أن يدر مشروع توسعة قناة السويس نصف مليار دولار سنوياً، ومع تصديق التوقعات التي نادراً ما تصدق، فهي لا تمثل سوى 0.6% من إيرادات الدولة، البالغة 638 مليار جنيه (82 مليار دولار)، ولا تساوي سوى 1% من مجموع مليارات الخليج التي تدفقت بعد الانقلاب، وبلغت نحو 42 مليار دولار.
ومع هذه الحقائق، لماذا تنفق الدولة ملايين الدولارات على حفل القناة؟ وهي تعاني فيه من عجز غير مسبوق في الموازنة، وانهيار للعملة، حيث فقد الجنيه المصري 14% من قيمته منذ الانقلاب. قد تكون الإجابة في تحقيق هدف سام من وجهة نظر الانقلاب، هو تخدير الشعب، حتى لا يلتفت إلى ما يحيط به من مآسٍ ومستقبل غامض، ولينسى غرق العشرات، أو حرقهم في مصانعهم، أو زيادة أسعار الخدمات، وبعض وسائل النقل، وذلك بترويج نوع جديد من المخدرات للشعب الذي لا يجد بصيص أمل. ويكفي أن تقرأ في جريدة مصرية، يوم 31 يوليو/تموز، أن أباً (يلقي ابنه الرضيع من الطابق الرابع بالإسكندرية لمروره بضائقة مالية). قد يعبر الخبر عمّا آلت إليه الأوضاع في مصر، وقد يعبّر عن ذلك أكثر تصريح لرئيس الوزراء، يدعو الشباب المتعلم الذي تحيط به البطالة إلى أن يتجه إلى سياقة التوك توك، وقد دعاهم سابقاً قائد الانقلاب إلى العمل على عربات الخضرة في سوق العبور في القاهرة، فأين مليارات الاستثمارات التي بشّر بها المؤتمر؟
ولأن المخدّر يجب أن يستمر أطول فترة ممكنة للمتعاطي، وكلما يحاول الإفاقة تلاحقه بجرعة زائدة، فإن جرعة قناة السويس جاءت لتعالج زوال أثر المؤتمر الاقتصادي، ليعيش الشعب بدعوى (مصر بتفرح)، إلى حين يتم تهيئة مؤتمر جديد واحتفال آخر، لننتقل من إدارة الدول بالاستراتيجيات والخطط إلى الإدارة بالمؤتمرات والاحتفالات والمخدرات الإعلامية.
وربما يكون هذا الزخم الإعلامي الموجه للبحث عن نقطة نجاح وسط مستنقع الفشل الذي يحيط بالعسكر في كل الميادين، ولا يستثنى منها الميدان العسكري الذي نراه في سيناء. وعلى الرغم من أن هذه النقطة إذا حدثت، لن تغيّر شيئاً، فإن حدوثها مستبعد في ظل إدارة تعمل بلا رؤية، سوى رؤية الزعيم الأوحد الذي تتحقق أحلامه بمزيد من دماء تسيل بلا توقف.
ومن يختزل مشكلة مصر في الخروج من أزمتها الاقتصادية واهم، فمليارات الخليج تدفقت داعمة الانقلاب، ظناً منها أن الشعب المصري تحرّكه معدته، فضاعت المليارات وبقيت الثورة مشتعلة في نفوس الأحرار. لم يخرج الآلاف في ميادين مصر طلباً لخفض الأسعار، أو زيادة الرواتب والمخصصات المالية، بل للمطالبة بالحرية، وحقهم في الحفاظ على أصواتهم الانتخابية التي أهدرها العسكر. فمهما ازداد صخب الاحتفال، وكثر عدد المشاركين، وكثرت المؤتمرات والاحتفالات، للهروب من الواقع المر في مصر، لن يحدث استقرار إلا بزوال الانقلاب، واسترداد إرادة الشعب، إذا ما استمر الشعب في ثورته ومطالبته.