محمد حسين فضل الله

محمد حسين فضل الله

10 يوليو 2015

محمد حسين فضل الله .. الحرية والعقل والإبداع

+ الخط -
من بين الشخصيات الذين التقيتهم في حياتي المهنية كان للعلاّمة السيد محمد حسين فضل الله المقام الأعز في قلبي. أجريت معه أكثر من مقابلة صحافية، وكانت الأخيرة في العام 2009 بعد أقل من عام على رحيل الشاعر محمود درويش، وقبل أقل من عام على رحيله. أحببت يومها أن أجري مقابلة مخصصة للحديث عن درويش، إذ كتب إسلاميون أصوليون، بعد رحيله، شامتين بموته شاتمينه بأقذر ما تكون الشتائم، فكان حديث السيد فضل الله عن درويش أجمل من الشعر، وأرحب من فضاءات الإنسانية جميعها، حين تجتمع فيها الحرية مع العقل والإبداع مع التسامح والإدراك العميق لما تحمله الروح الطليقة.
لا أخفي أنني، وهذا ما ذكرته للسيد في كل مرة قابلته فيها، أجيء إليه في الملمات، لأستمع إلى رأيه بموضوعات إشكالية، يلتبس فيها الدين بالسياسة والتأويلات الجاهلة المجهلة بما هو جوهر الحرية في فهم النصوص والمواقف في عصرنا الراهن، فأنقله إلى القراء. وهكذا قابلته حين قامت ضجة ضد مارسيل خليفة حول أغنيته "أنا يوسف يا أبي" عن نص لدرويش. وحين افتعل أصوليون فلسطينيون في مدينة الناصرة أزمة بناء مسجد شهاب الدين في ساحة كنيسة البشارة في المدينة، ما أنذر بحالة من انقسام أهلي داخل المجتمع الفلسطيني في دولة إسرائيل. كانت أفكار السيد فضل الله، فيما يخص هذه المسألة، عاملاً مساعداً، إلى جانب عوامل أخرى محلية، لدرء الفتنة بين المسيحيين والمسلمين في فلسطين.
لم يكن موقف السيد فضل الله الداعم للفلسطينيين نابعاً من حسابات سياسية ضيقة، تمليها مصالح الحلفاء، أو الممولين لهذه الجهة السياسية أو تلك، بل كان موقفاً صارماً في انحيازه إلى المظلومين، متفهماً المأزق والأخطاء التي قد يقع فيها المظلوم، حين تضيق الخيارات أمامه وتنهكه الحصارات، وتتكالب عليه قوى الظلم والظلام. وقف السيد مع الفلسطينيين المحاصرين في حرب المخيمات (1985-1987) التي قامت بها حركة أمل الشيعية، بدعم من نظام حافظ الأسد، وأفتى للمحاصرين في المخيمات بأكل الكلاب والقطط، كي لا يموتوا جوعاً ويستسلموا للظالمين، ودان الحصار والقوى المحاصرة. وهو لم يخوّن ياسر عرفات، حتى بعد توقيعه اتفاقية أوسلو، ولم يطالب بقتله، كما دعا أمين عام حزب الله، الشيخ حسن نصرالله، في منتصف التسعينات. ولو كان السيد فضل الله اليوم بيننا، وأمام هذا الانجراف الفظيع الذي يقوم به حزب الله، وانخراطه في سفك دم السوريين نصرة للطاغية في دمشق، لكانت أحوال الطائفة الشيعية غير ما هي عليه من انتقال من صفوف المظلومين إلى إقحامها في صفوف القتلة والمجرمين. خرج السيد فضل الله على العصبوية الإيرانية باحتكارها المرجعية الفقهية للشيعة، وتركيزها في قمّ، خدمة للمصالح القومية لإيران قوة إقليمية، بدأت تتخذ من التوسع في الإقليم سياسة ومنهجاً دؤوباً.
في لقاء لي مع السيد في مكتبه في الضاحية الجنوبية، أعلمته أنني بصدد الذهاب إلى رام الله، فقال لي إذا قابلت محمود درويش أخبره أن لي قصيدة كتبتها إلى أمي، وفي أحد كتب العربية في مدارس الضاحية التكميلية، هناك درس مقارنة بين قصيدتي وقصيدته الشهيرة "أحنّ إلى خبز أمي". أخبرني ذلك بفرح وفخر طفوليين، ثم طلب من أحد مساعديه أن يمدني بنسخة من الصفحة الواردة في الكتاب، لإيصالها إلى محمود درويش في رام الله، وهذا ما فعلت، وكان الشاعر فرحاً أيضاً فرحاً طفولياً، فقد كان يحمل للسيد احتراماً، كما مثقفين كثيرين، حتى أولئك البعيدين عن الفكر الديني.
لم يكن فضل الله فقيهاً رفيع المقام وحسب، بل كان شاعراً رقيقاً وإنساناً، كما أراد الله للإنسان أن يكون في إنسانيته سامياً وعادلاً وحراً ومتسامحاً.



8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.