قصة حب فلسطينية كردية

قصة حب فلسطينية كردية

10 يوليو 2015

رواية تبدأ بحرب 1967 وتكتمل في كوباني

+ الخط -

تنتهي وقائع رواية الشاعر الفلسطيني، جهاد أبو حشيش، (بيمان.. درب الليمون)، في مشفىً في مدينة كوباني، يلتقي فيه البطلان، الحبيبان الزوجان، اللذان افترقا سنوات، وتاهت بهما المصائر، الفلسطيني جمال والكردية بيْمان. وبلغة مشحونةٍ بالتوتر العاطفي العالي، ينجح الحكي في تظهير الجرعة الضافية من الحب المقيم في جوانح الاثنين، وقد باعدت بينهما أهوالُ حبسِ بيْمان خمسة عشر عاماً، وهي المقاتلة الكردية التي تعرّف إليها جمال في معسكر تدريب فلسطيني في لبنان. تنشغل الرواية بارتباطه بها حبيبةً ومعشوقة، بعد صفحات من سرد شائق عن جمال ورفاقه ووالديه، منذ نزوح 1967، مرورا بحياته الجامعية، وصموده في أثناء تعذيبه في زنزانة اعتقل فيها، وهو اليساري الفلسطيني المقيم في مخيم في الأردن، ويمكث فيه نزوعٌ إلى التمرد والتغيير، انتهاء بوصوله إلى كوباني، مع هيئة إغاثة إنسانية. وما بين بداية الحكي في أجواء حرب 1967 وانتهاء إلى الحرب في هذه المدينة السورية في 2014، تجول رواية الصديق جهاد أبو حشيش (دار فضاءات، عمّان، 2015)، في عوالم متنوعة، في أزمنة متتابعة وأمكنة عديدة، تتصل بشخصية جمال المركزية في النص، وأيضاً، بأمه الصلبة، زينب، ووالده المتسلط والمحب للمال، وبأصدقاء ورفاق كثيرين، أحدهم لم يحتمل تعذيب الزنازين. وثمة ابنته سيرين التي يلتقيها في المغرب بعد سنوات، وقد تخرجت من الجامعة، وكما بدأ السرد في الرواية باستهلالٍ عن بيْمان، فإنه يُختتم، في نهايتها، بطلب الحبيبة الزوجة من حبيبها أن تُشبع عينيها منه، وأن تشمّه، بعد أن كان الفقد طويلاً وجارحاً.

إنْ بدا مسار النص كلاسيكياً في توالي الحكي عن الوقائع والأحداث والانتقالات، فإن الرواية تنهض على تعدد الساردين، بضمير الأنا المتكلم، مع بعض التداخل الذي يعبُر فيه صوت جمال حاضراً. وفي هذا الخيار الجمالي الذي قامت عليه (بيمان.. درب الليمون)، استفادة ظاهرة من إمكانات الإيحاء والإيجاز والتلوين اللغوي، نجح جهاد أبو حشيش فيها، محافظاً على إيقاع شائق في الرواية، شديد الحرارة في محطاتٍ غير قليلة، يمسك بخيوط النص ووقائعه، السريعة أحياناً، والبطيئة أحياناً أقل، وبالتقاطع بين الراهن والماضي والذاكرة، في عمّان وبيروت وتونس وباريس والدار البيضاء، وأخيراً في كوباني، بمقادير وازنة من الإقناع، ولا سيما وأن مصادفات تقع في مسار الأحداث في سياق من التتابع الموفّق غالباً. وبذلك، إذا كانت الجدّة الأكثر وضوحاً في هذا العمل موضوعته، عندما يقيم توازياً، أو توأمة، بين النضالين، الفلسطيني والكردي، وحين يشيد أمثولةً من الحب الشفاف بين فلسطيني وكردية، يبدأ من نظرةٍ أولى في معسكر للتدريب على القتال، ويُستأنف في مشفى محاصر بالحرب والمعارك، إذا كانت هذه الجدّة التي يجترحها أبو حشيش منجزاً، أظنه غير مسبوق، في المدونة الروائية الفلسطينية، فإن الليونة البادية في حركة النص يجوز حسبانها صنيعاً إبداعيا طيباً يبادر إليه صديقنا الشاعر في روايته الأولى هذه.

لا يستغرق الزمن العريض في مساحة هذه الرواية جهد الكاتب، فالمحطات المركزية فيه، وهي سياسية وكفاحية وعاطفية غالباً، الشغل الأهم فيها. ويمكن النظر إلى زمنين في النص، ما يسبق حضور بيْمان، شابةً مناضلةً وزوجة وأماً وسجينةً ومفقودة، والزمن الذي يعقب هذا الحضور، وفيه الاستثناء الجديد، الشجاع والمفاجئ على الأرجح، خصوصاً عندما يوائم النص بين كفاح الفلسطينيين لتحرير وطنهم وإقامة دولتهم مع كفاح الكرد من أجل تقرير مصيرهم. ولافت أنك تقرأ عن بيْمان في الرواية، فلا تعرف إن كانت من أكراد تركيا أم سورية أم العراق، إنها من كردستان... ثمّة من لن يرضى بهذه المفاجأة التي يُباغتنا بها أبو حشيش في هذا كله، وثمّة من يُدهشه هذا الانشغال بحبٍّ أخّاذ بين فلسطيني وكردية، في لحظة راهنة، تتسع فيها نذر الشقاق بين العرب والأكراد في أوطانهم المشظاة والمدماة.

  

دلالات

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.