السعودية و"الإخوان".. علاقة برسم الاستعادة

السعودية و"الإخوان".. علاقة برسم الاستعادة

20 يوليو 2015
+ الخط -
ثمة خط متعرج، تخللته تقاطعات عدة، لمسار العلاقة بين المملكة العربية السعوية وجماعة الإخوان المسلمين، خلال ثمانية عقود. والكيانان، دولة السعوديين الثالثة والجماعة، من عمر واحد تقريباً، ولهما في طفولتهما ذكريات طيبة، كانت علامتها الفارقة إدخال السيفين المتقاطعين على أرضية خضراء إلى شعار الجماعة. فقد وقف الشيخ المؤسس حسن البنا، موقفه الذكي والجريء، في العام 1932 عندما رحب وبارك إعلان قيام المملكة العربية السعودية. اختلط عنصر الذكاء في ذلك الموقف بعنصر التبرم من الملك فؤاد، إن كان بسبب سيرته، قبل أن يصبح ملكاً، أو في سلوكه عندما اعتلى العرش. فقد كان فؤاد يطمح إلى أن يصبح خليفة المسلمين ومرجعهم الزمني والديني، بعد سقوط الخلافة العثمانية، فيما هو غير مؤهل لذلك، لا بالثقافة ولا باللسان ولا بالمسلك السياسي والشخصي. أما جرأة الموقف، فكانت بحكم إنكار الدولة، وعلى رأسها فؤاد، ومعه "الأزهر" لحق الدولة الناشئة، في اعتراف شقيقتها مصر. 
مرت مياه كثيرة، في مجرى العلاقة بين الطرفين، اتسمت بمساندة المملكة الجماعة بشكل منتظم، وكان نائب وزير مالية الملك عبد العزيز، الشيخ محمد سرور الفرحان، هو من تلقى الأمر من مليكه، لكي يقدم المعونة الدورية للجماعة. ولم يكن الملك عبد العزيز، على الرغم من تعامله الكريم مع "الإخوان المسلمين"، يرغب في أن يكون لها فرع باسمها في المملكة. وقال للشيخ البنا، فيما يشبه الدعابة، عندما التقاه في العام 1936 "كلنا إخوان مسلمون". وكان شوط ابن سعود الذي بدأ في نجد، وانتهى في الحجاز قبل أن تتأسس المملكة؛ اعتمد على شكل تنظيمي لجيشه الأول والأساسي، سمّاه "الإخوان"، وهم من المؤيدين والمريدين الذين هجروا البادية، بدءاً من الهجرة إلى الأرطاوية شمال الرياض، في العام 1911. وتلك كانت الحلقة الأولى، من سلسلة هجرات قاربت المائتين، لأناس، من قبائل عتيبة ومطير والعجمان وشُمّر والدواسر، أقلعوا عن حياة الترحال، وخلدوا الى حياة التدين. ويقول أحد مؤرخي الجماعة، محمود عبد الحليم، إن الشيخ حسن البنا في 1936، "الأستاذ المرشد، كاشفنا بأن فكرة الهجرة بالدعوة إلى بلد آخر من البلاد الإسلامية، يكون أقرب إلى الإسلام من مصر، قد سيطرت على تفكيره وملأت نفسه".

على الصعيد الفقهي، كان الشيخ البنا رجلاً شغوفاً بما كتب الشيخ اللبناني (الطرابلسي) الإصلاحي رشيد رضا الذي كان له رأي معاكس لما رآه "الأزهر"، آنذاك، حيال المنهج الوهابي. فقد افتتن رشيد رضا بابن سعود، وراقت له الوهابية التي رآها "الأزهر" فكراً متشدداً!
بعد أن تعدل الموقف المصري من السعودية، في عهد فاروق، استمرت العلاقة بين المملكة والإخوان المسلمين، وقد رفدتها السياسة بعناصر جديدة بعد ثورة يوليو/تموز 1952 والإعلان عن الجمهورية في مصر، واصطدام الدولة مع الجماعة.
قبلها، كان الملك عبد العزيز آل سعود قد أولى الجماعة اهتماماً خاصاً، وسُمح للمرشد البنا بإقامة محاضرات في مواسم الحج، في المدينة المنوّرة ومكة، يدعو إليها رؤساء وفود الدول الإسلامية، والالتقاء بعلماء الدين الحاضرين. وفي 1946، أقام الملك عبد العزيز مأدبة غداء لبعثة الإخوان المسلمين، وهذه بدورها أقامت في الفندق الذي نزلت فيه مأدبة شاي مسائية للأمراء ورؤساء الوفود. ويذكر عبده دسوقي، رئيس تحرير موسوعة تاريخ الإخوان المسلمين، أن الحكومة المصرية في العهد الملكي أعدت خطة لقتل الشيخ حسن البنا في السعودية في العام 1948 على أن تُنسب الجريمة الى بعض اليمنيين. وكان أمير الحج المصري، رئيس مجلس النواب، وهو من الحزب السعدي، قد اصطحب معه بعض الأشخاص الخطيرين، "إلا أن الحكومة السعودية استشعرت ذلك، فأنزلت المرشد العام ضيفاً عليها، وأحاطت مقره بحراسة شديدة، وقدمت إليه سيارة خاصة مع جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه".
هكذا إذن، كانت علاقة المملكة العربية السعودية بالجماعة، وهذه الأخيرة، بدورها، ساعدت الدولة السعودية الثالثة، على الصعيد الفقهي، لأن السعودية، في مرحلة الازدهار وفائض الدخل البترولي، واجهت عوائق فقهية، تمنع تحديث النُظم في بُنية الدولة، ونُشرت كتب ذهب مؤلفوها التقليديون إلى وصم كل خطوة تحديثية بالكفر، فكانت جماعة الإخوان المسلمين خير سند، يقدم الحلول الفقهية والبحوث الشرعية، لتسهيل تحديث النُظم في الدولة، وإحباط مسعى التقليديين الذين ساندتهم بواكير تيار السلفية الجهادية!
استمر ذلك إلى أن صعد الشيخ عمر التلمساني إلى المرشدية العامة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. كان يتمتع بكبرياء استثنائي حيال تلقي الدعم السعودي، أو فرص العمل في السعودية. عُرض عليه المال دعماً لمجلة "الدعوة"، قُبيل صدورها، في أثناء وجوده في السعودية، فغضب أمام أحد أنجال الملك، فيصل بن عبد العزيز، وقال: "لست جابياً للأموال، ولو أنني كنت أعرف أن الدعوة للاجتماع كانت لعرض المال، لاعتذرت عن الحضور". ثم أتبع التلمساني ذلك بحديث في السياسة، وفي مناهج الحكم، فكتب يقول إن حكام العالم الإسلامي ضاقوا ذرعاً بالإخوان المسلمين "عندما رأوا شعوبهم تسارع إلى الانضواء تحت دعوة الإخوان المسلمين السلفية النقية الطاهرة البريئة النزيهة، وقد علم العالم كله أن المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود عندما لمس قوة الإخوان وسريان دعوتهم في قلوب المسلمين قاطبة؛ أحس بهذا الخطر الزاحف على الملكية المتسلطة المستغلة، فحذر الملك فاروق من خطورة دعوة حسن البنا، وانتهى هذا التحذير بعد ذلك باغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، وإقامة الملك فاروق الأفراح في قصوره، عندما انتهى إليه نبأ الاغتيال"
لكن الأمور تداعت بأفاعيل السياسة والحروب، لا سيما غزو العراق الكويت، وما تلاه من محاور وسجالات على الصعيد العربي. وجاءت في حديث للأمير نايف بن عبد العزيز، إشارة لواقعة بعنيها: "جاءنا عبد الرحمن خليفة وراشد الغنوشي وعبد المجيد الزنداني، فسألناهم: هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا: نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء. وبعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق، فاجأنا ببيان يؤيد الغزو. إذن، وقفت جماعة الإخوان المسلمين الأم بمصر ضد السعودية مع صدام حسين، وتبعتها على ذلك غالبية فروع الجماعة في البلدان العربية، كالأردن وفلسطين واليمن والسودان". وأكمل محمد حبيب، النائب الأول لمرشد الجماعة، معللا ذلك الموقف في مذكراته: "لولا التسلط والقهر والاستبداد، ما استطاع صدام أن يتخذ قراره بغزو الكويت في 2 أغسطس/ آب 1990، ولولا الاستبداد وحكم الفرد ما رضخ الحكام العرب لطلب استدعاء القوات الأجنبية لاحتلال منطقة الخليج. فقد وقعت السعودية ودول الخليج في الشرك المنصوب".
على صعيد آخر، وفي موازاة هذا السياق، بدا الحديث عن تنظيم إخواني في السعودية، وعن تيارات محلية في البلاد، تستهدي بنهج الجماعة، مثل تيار أو تنظيم "السرورية" الذي أسسه الشيخ السوري المقيم في المملكة، محمد سرور زين العابدين، ومعها ظواهر الدعاة، من أمثال سلمان العودة وسفر الحوالي. وفي ذروة هذا السياق، أصدر وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز (12/11/2002) بيانه الصارخ ضد الإخوان المسلمين.
اليوم، ثمة أفق لعلاقة مستعادة. فمثلما أطاحت السياسة، والسجالات العربية الراسخ من علاقات المملكة العربية السعودية مع الإخوان المسلمين، بدا أن السياسة نفسها، وسجالاتها المستترة أو العلنية، بدأت حراكها إلى الوجهة الأولى.