القاسم المشترك الأعظم للإرهاب

القاسم المشترك الأعظم للإرهاب

02 يوليو 2015
+ الخط -
توالت البيانات الرسمية، والمقالات المحكّمة، متواشجة مع تحليلات رصينة، يخامرها دائماً فيض من الشجب والاستنكار، ولوم الذات العربية المقهورة لانسياقها في طوفان الإرهاب الذي بدا، أخيراً، لجميع المتابعين لنتاج الإعلام البصري المعولم، وكأنه تنين بأربعة رؤوس إرهابية مفعمة بالموت الأعمى، أطلّ بوجهه المتقيح في الصوابر في مدينة الكويت، وفي مدينة سوسة التونسية، وفي منطقة ليجو جنوبي الصومال، وفي ليون في فرنسا. 
ولم تبق وسيلة إعلامية عالمية وعربية إلا وأتت على تغطية تلك الحوادث الإرهابية، والتمحيص في جذورها، ومفاعيلها، وارتداداتها على العرب والمسلمين. ويبدو أن جميعها قد فاته الالتفات إلى الرأس الخامس للتنين الإرهابي الذي أطل برأسه الأميركي الأبيض، لوناً فقط، منذ بضعة أيام، في مجزرة ولاية جنوب كارولينا في الولايات المتحدة، حينما فتح شاب أميركي أبيض، يدعى ديلان روف، يؤمن بتفوق العرق الأبيض، وحق البيض في تطهير الولايات المتحدة من ذوي الأصول الأفريقية، وغير ذوي البشرة البيضاء من الأصول الأنغلوساكسونية، فتح النار على مصلين سود البشرة من أصول إفريقية في كنيسة تشارلستون، فقتل منهم تسعة، أحدهم عضو في هيئة التشريع الحكومية في الولاية نفسها.
وكما هو الحال دائماً، رفض رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي المسؤول عن مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، جيمس كومي، توصيف حادثة الإعدام الجماعي تلك بالحادثة الإرهابية، معللاً ذلك بأنّ الإرهاب فعل يستخدم العنف للتأثير على المواطنين، لتحقيق هدف سياسي، وهو لا ينطبق على تلك الجريمة. على الرغم من أن مكتب التحقيقات الفدرالي، وكل أمثاله في العالم الغربي، يتعامل مع دهس عربي، أو مسلم، نملة بطريق الخطأ على أنه حادث إرهابي، حتى يثبت المتهم نفسه عكس ذلك، وتقوم وسائل الإعلام العالمية، ومن ينهل منها من تلك الناطقة بالعربية، بالالتقاط الدفاعي لتلك الأطروحة ولوكها، إلى أن يحين أوان التقاط غيرها، وهكذا دواليك.
وفي المقام نفسه الذي فات وسائل الإعلام العربية الالتفات إليه دراسة، مهولة في أهميتها أصدرها مركز أميركا الجديدة للأبحاث في الولايات المتحدة، بالتزامن مع إطلالة الرؤوس التنينية الأربعة وخامسها المضمر إعلامياً، وتماماً في الخامس والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، حيث ذكرت الدراسة المدققة أنه، منذ تاريخ 11 سبتمبر/أيلول 2001، قضى 26 شخصاً جراء عملية جهادية، قام بها مسلمون في الولايات المتحدة، بينما قضى 48 شخصاً نحبهم بهجمات قامت بها المجموعات الفاشية والمؤمنون بتفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة، وهو ما لا تغطيه وسائل الإعلام العربية إلا لماماً، وبالقدر والعينة والإخراج الذي تحدده لها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الغربية التي تغترف منها. وأضاف المركز البحثي الأميركي أنه "على الرغم من تشديد إدارة الرئيس باراك أوباما على التركيز على المسلمين في الولايات المتحدة، فإن مجموعات اليمين المتطرف قامت بـ 19 هجمة إرهابية منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بينما كان المسلمون مسؤولين عن سبعة حوادث فقط ".
في عقيدة الإعلام الغربي، يكمن جزء راسخ يقوم بغربلة الحوادث والأخبار وإعادة صياغتها، لتتفق مع النهج المرسوم لها السير عليه من الشركات المعولمة والعابرة للقارات المالكة لوسائل الإعلام تلك، والحاكمة فعلياً في العواصم الغربية، بتحكمها بتمويل ذلك المرشح، أو ذلك الحزب في طقوس انتخابية، لا تمثل أكثر من حملات للعلاقات العامة التي أصبحت ميزانياتها توازي ميزانيات دول بأكملها. ويختار ذلك الغربال الخبر الجدير بالتقديم، وذلك الذي يستحق الرمي إلى حظيرة النسيان. والواقع يشي بأن كل ما يعزز الربط الاشتراطي بين العرب والمسلمين والإرهاب هو واجب الإظهار، وكل ما يشوش على ترسيخ ذلك في ذهنية المتلقي يشترط التكتم والتعتيم والإعدام.
الإرهاب ظاهرة كونية مرتبطة بافتقاد الإنسان وسائل التواصل الطبيعية مع أقرانه ومجتمعه، جراء إفقاره و تهمشيه مادياً ومعنوياً، وقهره إلى درجة التدرك والنكوص إلى وعي عدمي، يكاد يطابق التوصيف الطبي لحالة الاكتئاب العميق، الذي لا يفلح في استنهاض المنطق لتفكيك الواقع إلى حقائقه الأولية، لأن التحليل المنهجي والاكتئاب العميق ضدان لا يجتمعان طبياً أو واقعياً، فلا يجد المصاب بذلك الأخير سوى التنفيس عن قهره بإعدام نفسه، أو أخذ الآخرين في قارب الموت الأسود الذي لم يعد يرى سواه مخرجاً من النفق المظلم الذي حشرت حياته فيه.
لم تترك العولمة وشركاتها العابرة للقارات، وذراعها الضاربة المتمثلة بالمارد العسكري الأميركي، مجتمعاً أو أرضاً على ظهر البسيطة، إلا ونالت منه، إفقاراً، ونهباً، وإذلالاً، بشكل مباشر، أو بالوساطة عن طريق استطالاتها وتوابعها الكمبرادورية، والاستبدادية، في شرق الكرة الأرضية وغربها، من الصومال إلى العراق، ومن أفغانستان إلى هايتي والقائمة تطول.
وإذا كانت الحال كذلك، فلا بد من كل ذي جنان طاهر وعقل راجح أن يرفض الانصياع إلى إيقاع جوقة الإعلام الغربي المتسقة التي تريد للمسلمين والعرب أن يكونوا شماعة لتعليق نتائج الحالة العدمية التي يكابدها كل المفقرين والمهمشين في أركان المعمورة، والتعبير عن ذلك الرفض بشكل فاعل، ينطلق من إعمال العقل النقدي في كل ما يراد لنا قبوله، واستمراؤه، والاعتراف به حقيقة مُرة، والاعتذار عنه في كل آن ومكان؛ للوصول إلى إظهار الحقيقة المغيبة، وكشف النقاب عن القاسم المشترك الأعظم للإرهاب الذي نال من العرب والمسلمين أضعاف ما نال من غيرهم، وكانوا جميعهم من ضحاياه، قبل أن يصبح بعضهم من مقترفيه.

3F551E00-D2AC-4597-B86B-AF0030A9D18D
مصعب قاسم عزاوي

كاتب وطبيب سوري مقيم في لندن، له عدد من المؤلفات