قمة الخليج - أوباما... نحتاج سياسات لا تطمينات

قمة الخليج - أوباما... نحتاج سياسات لا تطمينات

04 مايو 2015

باراك أوباما في منتجع كامب ديفيد (17أكتوبر/2014/Getty)

+ الخط -

دعا الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى مؤتمر قمة في منتجع كامب ديفيد، في 13 من مايو/أيار الجاري. وجاءت الدعوة في سياق محاولة إدارة أوباما، كما صرح أكثر من ناطق باسمها، تبديد مخاوف دول الخليج العربية من تداعيات الاتفاق النووي المتوقع التوصل إليه بين إيران ودول مجموعة 5+1 مع نهاية يونيو/حزيران المقبل. لكن واقع الأمر يقول إن لا الرئيس أوباما يملك أن يطمئن أحداً، وهو الذي يعاني من متلازمة "عوز الإرادة والتدبير"، ما يجعل الثقة بتطميناته ضرباً من الغباء السياسي، ولا دول الخليج تحتاج تطمينات من هذا النوع. فالأصل ألا تكون لدى هذه الدول مخاوف، لأن إيران سوف تتعهد بالتخلي عن مساعيها إلى امتلاك سلاح نووي. على العكس، المنطق يقول إن دول الخليج يجب أن ترحب بذلك، لان إيران بدون نووي متعبة، فما بالك بإيران نووية. فضلاً عن ذلك، لا يحتاج الرئيس أوباما أن يطمئن دول الخليج من تداعيات حصول تقارب إيراني - أميركي، فلطالما تعايشت دول الخليج مع إيران صديقة للأميركان، ووكيلاً لهم في المنطقة، منذ سقوط ثورة مصدق، وحتى قيام ثورة الخميني. فوق ذلك، يدرك القادة الخليجيون أن إدارة أوباما لن تستطيع، حتى لو تهاونت، أن تسمح بسيطرة إيرانية في الخليج، فهذا نقيض مصالحها تماماً، فأميركا التي قادت أكبر تدخلاتها العسكرية، بعد الحرب العالمية الثانية، في هذه المنطقة، لمنع أي قوة إقليمية أو عالمية من السيطرة عليها، ستبقى، على الأرجح، ملتزمة بذلك، ما بقيت قادرة عليه.

لا شك في أن هناك دواعيَ وأسبابا عديدة للقلق لدى دول الخليج العربية، لكن الملف النووي الإيراني ليس أهمها، ولا يجب أن يكون كذلك، فالسلاح النووي لم يصنع ليستخدم، كما أنه لن يكون صعباً إنشاء ميزان ردع نووي إقليمي اتجاه إيران، في حال امتلكت سلاحاً نووياً، مثل القائم بين الهند وباكستان. نووي إيران يقلق إسرائيل فقط التي تريد أن تحافظ على احتكارها له، أما العرب فأكثر ما يثير قلقهم اتجاه إيران هو سياساتها الإقليمية، والتي تعد بحق سلاح دمارها الشامل الأكثر فعالية، وهي ما فتئت تفكك المجتمعات العربية من دواخلها، وترسل دول الإقليم المركزية إلى حافة الانهيار والدمار، حتى تحول أكثرها دولاً فاشلة، تأكلها نيران الحقد المذهبي والطائفي. وإذا كان ولا بد من تطمينات تقدمها واشنطن لدول الخليج العربية، فالأحرى أن تكون هذه التطمينات حول حقيقة النيات والمواقف الأميركية من هذه السلوكيات الإيرانية، لأن سياسات أوباما هي التي جعلت إيران تعيث في المشرق العربي خراباً، وقد انصب تركيزها، في الأعوام الماضية، على استحصال تعهد منها بعدم تصنيع سلاح نووي، إرضاء لإسرائيل، مقابل التغاضي عن سياساتها التي دمرت المشرق العربي.

ففي العراق، انهارت كل ترتيبات ما بعد الاحتلال على سوئها، بفعل الانسحاب الاعتباطي الذي قرره أوباما، إنفاذاً لوعود انتخابية، أرسل التزامه بها البلد إلى الجحيم، وقد سلّمه لإيران ومليشياتها. وحتى يسوّق وهم نجاحه في الانسحاب، وترك إدارة شؤون العراق في يد حليف يعتمد عليه، غض الطرف عن السياسات الطائفية لرئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، لا بل أصر على بقائه لولاية مدمرة ثانية، بالتوافق مع إيران، وضد رغبات دول الخليج العربية وتركيا. وكانت النتيجة أن تعثرت عملية إعادة بناء الدولة في العراق، وتحكمت المليشيات بالقرار، وفتكت الطائفية بالبلد، ولتكتمل المصيبة بصعود أمر تنظيم الدولة الإسلامية، رد فعل على ذلك كله.

بالمثل، كان تأثير سياسات الارتباك والمخاتلة التي اتبعتها إدارة أوباما في سورية، منذ بداية الأزمة، أشد تدميراً، فالنظام السوري لم يكن يعنيه من بين كل المواقف الدولية تجاه ممارساته نحو الثورة إلا الموقف الأميركي، وكانت كل حساباته قائمة على اختبار ردود أفعال واشنطن إزاء العنف الذي تدرج في استخدامه حتى بلغ السلاح الكيماوي. وعلى امتداد السنوات الأربع الماضية، كانت إدارة أوباما تستخدم سورية قطعة حلوى، تغري بها إيران تارة، لتقديم تنازلات في ملفها النووي، وتستخدمها أداة ضغط تارة أخرى، عندما لا تسير الأمور كما تشتهي.

في اليمن، انحصر اهتمام إدارة أوباما بمحاربة تنظيم القاعدة، ولم يكن التمدد الحوثي، ليعنيها في شيء، طالما أنه لم يكن يعيق خدمة هذا الهدف، لا بل قد يساعد عليه. لذلك، ظلت تنكر وجود أدلة على دعم أو نفوذ إيراني على الحوثي، حتى بعد هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، وملاحقة الحوثيين له، على الرغم من أن لجنة العقوبات في الأمم المتحدة ظلت تقول إن إيران ترسل سلاحاً للحوثي منذ عام 2009. وفي جميع هذه القضايا، بدا وكأن إدارة الرئيس أوباما غير مكترثة، أو أنها تتصرف كالنعام، أو أنها متناغمة فعلاً مع السياسات الإيرانية في محصلتها النهائية، وإن اختلفت معها في التفاصيل. فإيران تتبع منهج تفكيك المجتمعات العربية ونخر دولها من الداخل، وإنشاء مليشيات من أجل إخضاعها والسيطرة عليها، في حين تسعى إدارة الرئيس أوباما إلى إنشاء ميزان قوى سني- شيعي، تحتوي به الطرفين، وتضرب به بعض قوى المنطقة ببعض، بحيث يكفيها هذا الصراع مؤونة العودة إلى سياسات التورط العسكري المباشر، لمنع هيمنة أي من الطرفين، ولو أدى ذلك إلى تمزيق المنطقة، ودفعها نحو الفوضى و الانهيار.

هذه السياسات الأوبامية هي بالضبط ما يحتاج القادة الخليجيون إلى مناقشته بوضوح وصراحة، في اجتماع كامب ديفيد، كما أنهم معنيون، بالقدر نفسه، بطلب تغيير هذه السياسات، وتبني مقاربات تؤدي إلى إعادة الاستقرار إلى المنطقة، والتوقف عن اتباع سياسة عدم إزعاج إيران، للحصول على تنازلات منها في النووي، إرضاء لإسرائيل وعلى حساب العرب. من المهم أيضاً أن يؤكد القادة الخليجيون لأوباما أنهم ما عادوا في وارد مراعاة المواقف الأميركية من أزمات المنطقة، بعد كل ما جرّته علينا من ويلات، وأنهم سوف يتصرفون، من الآن، وفق ما تمليه عليه مصالحهم ومصالح شعوبهم، لا وفق ما يسرّ خاطر واشنطن التي عليها أن تتأقلم مع واقع عربي جديد.