جماعة تستحق التأمل

جماعة تستحق التأمل

29 مايو 2015
+ الخط -
عندما أنظر إلى جماعة الإخوان المسلمين نظرة المتأمل في نظامها وتماسك بنيانها، ورابطة قلوب أعضائها بغض النظر عن المتفلتين منها، والوصوليين الذين عاشوا فيها، ثم انقلبوا عليها، ازداد حباً لتلك الجماعة التي أسس بنيانها الإمام حسن البنا رحمه الله، الذي ضرب المثل والقدوة للبعيد قبل الداني ممن سمع عنه أو تعرف عليه.

لم يختلف أحد حتى الآن ممن فيهم المعادين لها، أوالحاقدين عليها، أن الجماعة ليست مثل غيرها من الجماعات أو الجمعيات أو المؤسسات الموجودة على الساحة منذ نشأتها، فهي ذات منهج واضح مستمد من الإسلام الوسطي، وذات أهداف محددة، تشمل كل جوانب الفرد والمجتمع والدولة بل والعالم.
فجماعة الإخوان المسلمون تُعنى بالفرد في إصلاحه، والبيت في تهذيبه ورعايته، والمجتمع في إرشاده وتوجيه، والدولة في تقويمها وإصلاحها لتحقق الرعاية الكاملة للشعوب التي تحكمها، وتسعى إلى إعادة الخلافة الإسلامية التي أسقطها العلمانيون في تركيا، وعلى رأسهم مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924، والتي أدت إلى تفتت الوطن العربي والإسلامي، كما أن جماعة الإخوان المسلمين تطمح في أستاذية العالم بالعلم والتفوق وتقديم الإسلام في صورته التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تعلم تلك الجماعة مدى احتياج العالم اليوم إلى ما جاء به الدين الإسلامي الحنيف.
إن فكرة الإخوان المسلمين نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام، والتي وضحها الإمام البنا، وتضمنت كل نواحي الإصلاح في الأمة "فهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية" جعلت تلك الجماعة تنتشر في ربوع مصر ونجوعها، بل انتشرت في أكثر من 85 دولة، بالفكرة نفسها، والأهداف نفسها، مع تغيير الوسائل، طبقاً لظروف كل بلد.
في ندوة في جامعة ديلاوير الأميركية، قال البروفيسور فواز جرجس، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة لندن: (جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل حاليًّا الإسلاميين المعتدلين، هي  الأوفر حظًّا بالفوز بنسبة لا تقل عن 25% إلى 30% ليس من أصوات المصريين فحسب، وإنما جميع المسلمين البالغ عددهم أكثر من 1.3 مليار؛ إذا ما دخل الإخوان في الدول العربية والإسلامية أية انتخابات حرة ونزيهة)، وهذا ما حدث بالفعل في انتخابات كثيرة في بلدان عربية وغيرها ( فلسطين، الأردن، المغرب ، تركيا ، مصر، ...)، ما عرض تلك الجماعة لانتقادات وعداءات دولية كثيرة، وللتربص بها، خوفاً من تحقيق أهدافها في سيادة الإسلام وريادته في تلك البلدان وتأثر الغير بها.
تعتبر الحكومات الأميركية الإخوان المسلمين، منذ نشأتها ووضوح فكرتها، من الهيئات غير المرغوب فيها، حيث ترى أنها المعوق الرئيسي، بل الوحيد، في تحقيق أهدافها الصهيونية ومصالحها الدولية في الشرق الأوسط. ولذا، دفعت بالعداوة بين حكام البلدان العربية وتلك الجماعة، وزرعت في قلوب الحكام أيضاً الخوف على مصالحهم الشخصية، والرهبة من زوال سلطانهم، أو تعرض حياتهم للخطر، إذا ما قويت شوكة الإخوان المسلمين.
إن الابتلاءات التي تعرضت لها الجماعة منذ نشأتها في 1928 عطل كثيراً من وسائلها وتحقيق أهدافها سابقة الذكر، كما أصاب أبناءها بإجهاد وتمحيص، فثبت منهم من ثبت، وخرج منهم من خرج. وعلي الرغم من تعليق المشانق في عهد جمال عبدالناصر لبعض قادتها، أمثال عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف وسيد قطب، إلا أنهم ظلوا ثابتين علي الطريق.
أرى أن الابتلاءات التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، وما فيه من إعدامات واعتقالات ومطاردات واغتصابات لأعضائها، لن يزيدها إلا صلابة وجلدا، بل سيعيد بنيانها أشد قوة وأشد جمعاً. ولذا، المتأمل في منهج جماعة الإخوان المسلمين المستمد من سماحة الإسلام، بشموله وعمومه والأهداف التي وضعوها، لا يسعه إلا أن يمتلئ قلبه ثقة بأن هذه الجماعة ربانية المنهج، متعددة الأهداف، متدرجة المراحل، ستنتصر يوماً على أعدائها.

avata
avata
خليل الجبالي (مصر)
خليل الجبالي (مصر)