هل انتهت السلمية في مصر؟

هل انتهت السلمية في مصر؟

28 مايو 2015
+ الخط -
هل انتهت السلمية في مصر، بعد أحكام الإعدام بحق ستة مدنيين، كان مقبوضاً عليهم قبل الواقعة التي دينوا فيها في قضية عرب شركس، وكذلك بعد إحالة أوراق أول رئيس منتخب لمصر إلى المفتي للبت في إعدامه؟
هذه التطورات وغيرها تجعل قضية سلمية التظاهر وشعار "سلميتنا أقوى من الرصاص" لمرشد الإخوان المسلمين على المحك، لا سيما أن الحديث عن السلمية منذ الانقلاب يقابله تصعيد من نظام عبد الفتاح السيسي بشأن التصفية الفورية في الميادين للمتظاهرين، أو داخل السجون، وجديدها القيادي الإخواني، فريد إسماعيل، فضلا عن التصفية من خلال منصة القضاء. بل وتباري القضاء المدني والعسكري في إصدار هذه الأحكام.
منذ الانقلاب، وهناك حالة من الخلاف الشديد داخل تحالف دعم الشرعية، وكذلك داخل "الإخوان المسلمين"، بخصوص نهج السلمية، لاسيما الشباب الذين يرون أن خيار التظاهر لن يجدي نفعا في إسقاط الانقلاب، فالنظام يقابل التظاهرات بالعنف واستخدام الخرطوش والرصاص الحي. وبالتالي، يتعرض المتظاهرون للقتل أو الاعتقال، ومع ذلك، يطلب منهم مسؤولوهم أن يظلوا سلميين، ما يجعلهم أمام المشاركة السلمية والتعرض لهذه الأخطار وقبولها بصدر رحب، أو الانسحاب وعدم المشاركة أمام هذا الاستفزاز الأمني لهم، ما يؤثر، بالتالي، على نسبة المشاركة في هذه التظاهرات، وما قد تعكسه من مؤشرات سلبية على تراجع حراك الشارع، وليس تزايده بسبب أخطاء النظام وأدائه.
وبالتالي، تضع أحكام الإعدام قيادات "الإخوان المسلمين" ومسؤوليها في موقف حرج أمام قواعدهم الشبابية التي طالما انتقدت هذه السلمية، وتدعو إلى إيجاد تحولات نوعية في طرق الاحتجاج، تردع الطرف الآخر في أضعف الإيمان، بل وتسقطه في الهدف النهائي. ومن بين هذه التحولات من وجهة نظر هؤلاء الشباب، شعار "ما دون الرصاص والقتل.. فهو سلمي".
ما هي أهداف النظام في مصر من هذا التصعيد، بتنفيذ أحكام الإعدام والإحالات إلى المفتي، وقد بلغ عدد هذه، بحسب المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، أكثر من 1600 حالة، منها 520 حالة، حكم عليها بالإعدام، بعضها ينتظر التنفيذ والآخر ينتظر النقض؟ قد يكون هذا التصعيد مقصوداً لعدة أسباب، بعضها الضغط على جماعة الإخوان تحديداً، من أجل الدخول في ورقة مساومات، يكون أقصى ما يمكن فعله بشأنها قبولها بالأمر الواقع، في مقابل استخدام السيسي صلاحياته الدستورية بإصدار العفو العام عن مرسي والآخرين. وربما هذا الاحتمال ضعيف، وغير وارد في حسابات الجماعة التي تربت على أن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا، وهو ما لاحظناه من عدم اكتراث القيادات داخل السجون بالأحكام الصادرة، بل وتبادل الابتسامات، بل وتبادل البدل الحمراء رمز الإعدام بينهم، كما فعل مرشد الجماعة محمد بديع مع القيادي فيها، محمد البلتاجي.
وقد يكون الهدف الآخر من تصعيد النظام جر الجماعة إلى مستنقع العنف، من خلال حدوث حالة من انفلات الشباب فيها، لاعتبار أن ما يحدث هو الحصاد المر لنهج السلمية التي تبناها الشيوخ. وبالتالي، يدخل هؤلاء إلى العنف المسلح الذي يجيده النظام، بحيث نكون أمام صورة مكررة من الحالة السورية التي قام فيها رجال بشار الأسد بوضع السلاح أمام بيوت الشباب، لحمله في مواجهة النظام، والنتيجة تمييع القضية، وهنا يطل الحل السحري الأميركي بأنه لا مفاوضات بدون الأسد.
وقد يكون الهدف الثالث من التصعيد إشغال الرأي العام المصري بسيناريو العنف "والإرهاب" عن إخفاقات النظام في شتى المجالات، واللعب على ورقة أنه لا تنمية ولا أمان في ظل وجود الإخوان المسلمين.
وبالنسبة للجماعة، فإنها وإن كانت لا تزال ملتزمة بالسلمية، فإن السؤال هو ما إذا كانت ستنجح في إقناع الشباب بعدم الانجرار إلى العنف، تحاشياً لضياع الثورة، وهذا أمر بات صعباً جدا إزاء هذا التصعيد؟ وفي حالة الفشل في عملية الإقناع، هل سينجر شبابها إلى العنف خارج نطاق التنظيم، بحيث يصعب السيطرة عليهم، ونكون أمام تنظيمات عنيفة، تفتقد ليس فقط للتنظيم، ولكن، للخبرة أيضاً في مواجهة جيش نظامي؟ أم سيتم البحث عن أفكار أخرى بخلاف التظاهر، تكون أكثر تأثيرا وإقناعاً، في الوقت نفسه، للشباب، ولكن، في إطار السلمية، أم ستعمل على توسيع الصف الثوري الذي ربما يطاوله بعض من ممارسات النظام هذه؟ وربما تكون هذه نقطة البدء الحقيقية. وإلا قد يكون من الصعب الحديث عن إسقاط الانقلاب، في ظل تشتت القوى الثورية، أو من خلال استخدام العنف الذي لن تستفيد منه الجماعة، بل نظام العسكر.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.