فزعة الجيوش وعُطالة السياسة

فزعة الجيوش وعُطالة السياسة

27 مايو 2015

جنود صهاينة على جبل المكبر بعد حرب حزيران(8 يونيو/1967/Getty)

+ الخط -
لعل من بين المحاسن القليلة لاجتماع قادة الجيوش العربية ووزراء خارجية بلدانهم، لمناقشة صيغ القوة العربية المشتركة وخططها وأهدافها، أن ثمّة ما يشبه محاولة رد الاعتبار للجيوش، في زمن استعانة بعضها العربي بمليشياتٍ بدت أقوى شوكةً منها، وأقل بؤساً. وينم وجود وزراء الخارجية، ممثلين للأنظمة السياسية، عن محاولة مماثلة لإعادة الاعتبار للدولة نفسها، في زمن الانفجارات الاجتماعية، وترنّح الدولة في عدد من الأقطار. 
بعد يومين، يتسلم قادة الدول مشروع البروتوكول الناظم لعمل القوة المشتركة، وكان واضحاً أن التهديدات الإرهابية هي السبب الحصري لتشكيل هذه القوة، لا سيما وأن المعنى المضمر والمُعلن لمفهوم التهديدات الإرهابية هو مواجهة جماعات السلفية الجهادية وتنظيماتها، بصرف النظر عن مذاهبها. ومع كل التفهم للقول إن هذا الإرهاب ذو بُنية متخطية للقوميات والوطنيات، وإنه إفراز أممي، وفي الوقت نفسه، يمثل تهديداً للأمم قاطبةً، فثمة وجاهة في القول إن الإرهاب ليس مصدر الخطر الوحيد، فهناك تحديات كبرى للأمن القومي العربي، استوجبت، منذ عشرات السنين، بناء قوة مشتركة، تعزز المواقف السياسية حيال التعديات على الأمة وأقطارها.
معلوم أن ردود الأفعال التي سُمعت من أطرافٍ، اعترضت على "عاصفة الحزم" في اليمن، استدعت سريعاً صورة العجز العربي، وامتصاص الهوان، والصبر المقيت على مظلمة الفلسطينيين وعربدة الصهيونية. وفي الحقيقة، كان استنكاف النظام العربي عن رفد السياسة بأي شكل من التعبير عن ممكنات القوة سبباً في تداعي الأوضاع في فلسطين، ووصولها إلى مآلات الكارثة والمأساة. فلم يكن الفلسطينيون يريدون إعادة الأنظمة العربية إلى حال المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وكانوا قد أطاعوها عندما ظلت تدفعهم، منذ وضعت حرب 1973 أوزارها، إلى أفق التسوية التي ظنوا أنها ممكنة. وعندما اتضح أن الأفق سراب، وأن إسرائيل لا ترفض التسوية وحسب، وإنما تطلب مع رفض التسوية تطبيعاً وطواعية وتعاوناً أمنياً وشراكة اقتصادية، لا تعطلها سياسات العدوان، كان الأجدر بالعرب أن يشكّلوا القوة المشتركة، لمساندة المسعى السلمي، وللتلويح بأن العرب لم يفقدوا البدائل، وأن قضية فلسطين التي وصفوها مركزية، لم تمت، وأن الأمة ليست جثة هامدة، وأن الأنظمة لم تتخل عن أشقائها الفلسطينيين.
تلازم قادة الجيوش مع وزراء الخارجية يذكّر بالتعريف القديم للحرب، وهو أنها الشكل الأعنف من ممارسة السياسة. أما وجود الجيوش، بحد ذاته، في صيغ التأهب والتشكيل والعقائد القتالية، فهو التلويح، بدون حرب، بالذراع القوية للسياسة.
لو أن الداعين إلى تشكيل القوة العربية المشتركة أعلنوا للعالم أن هدفها الدفاع عن أمن الشعوب العربية وكرامتها واستقرارها وحقوقها، وأن وجود هذه القوة ليس ظرفياً، ولم يكن أصلاً بسبب تهديدٍ بعينه، أو أن تحدياً طرأ حديثاً قد اقتضاه، فإن قوة الدفع السياسية العربية التي تطالب بإقرار حقوق شعب فلسطين ستكتسب زخماً دولياً، في هذا العالم الذي لا يحترم الضعفاء.
فزعة الجيوش العربية، لتشكيل قوتها المشتركة، يمكن أن تصطدم بإحباطات ومآزق كثيرة، وهي تتفرع كلها عن النقص في تعيين الأهداف العامة، وعن غياب التوافق على بعض التفصيلات، حتى في تعريف الإرهاب، إذ إن بعض الجيوش لا ترى في كل ألوان قوس قزح الجماعات الإسلامية كيانات إرهابية، وبعضها لا ترى في إسرائيل كياناً إرهابياً يهددها. من هنا، تأمل جماهير العرب في قوة مشتركة للدفاع عن القضايا العربية كافة، ولمواجهة كل التحديات، تسهم فيها حتى الأقطار التي أبرمت اتفاقات مع إسرائيل، عندما تكون مستعدة لأن تعلل مشاركتها بأن إسرائيل أخلّت بالأسس التي قامت عليها عملية التسوية، وتمادت في التعدي والعربدة، وأن الروابط التي تجمع هذه الأقطار بأمتها أوثق من التي تجمعها بإسرائيل. وحده هذا الموقف من شأنه أن يهدئ الجبهات الداخلية، ويضرب الإرهاب ويعزّز السياسة.