القطيف وشظايا الصراع

القطيف وشظايا الصراع

25 مايو 2015
+ الخط -
جاءت جريمة استهداف مصلين في أثناء أدائهم صلاة الجمعة، في إحدى جوامع القديح في محافظة القطيف السعودية، بتفجير انتحاري، لتعبر عن رغبة ملحّة لجر الداخل السعودي إلى حالة الفوضى الإقليمية، عبر الاحتراب الطائفي، حيث سبق وقوع جريمة مماثلة في قرية الدالوة في الإحساء قبل أشهر، والتي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية، كما هو الحال في العملية الأخيرة، فهذا التنظيم الإرهابي بامتياز له بصمة تدميرية، أينما حطت به الرِحال، ورمت به الأقدار، ففي العراق، تكفل بإفشال ثورة العشائر السنيّة، واستجلاب تحالف دولي، لم يسلم من حمم نيرانه الأبرياء، حين تمترس التنظيم في مناطقهم. وفي سورية، عصف بالمشهد ليخلط الأوراق، ويشتت قدرات المعارضة المسلحة، ويتيح لنظام سفاح دمشق أنْ يلتقط الأنفاس من رحى معاركه مع الثوار. وفي ليبيا، مارس إجرامه، وكأنه يستدعي التدخل الدولي هناك، وأعطى الذريعة لنظام الانقلاب العسكري في مصر، ليوجه ضربات جوية لم تحصد إلا المدنيين، وكأن الليبيين بحاجة لقتلة جدد في بلد أثخنه الموت والخراب، واليوم تأتي داعش لتحقق هدفاً إيرانياً، يتمثل في إشغال القيادة السعودية بفوضى داخلية، لتخفيف الضغط على الحوثيين، إضافة إلى الحد من أي دور إقليمي فاعل، أخذت ترتسم ملامحه، وكانت أولى خطواته في اليمن.
ذهب بعضهم، في البدء، إلى اتهام طهران، كونها المستفيد الأول في الظروف الراهنة، لكن بيان السلطات السعودية الذي كشف هوية المنفذ وارتباطه بداعش، ألغى تلك الفرضية المحتملة، على أنّ إيران تتحمل مسؤولية ووزراً غير مباشر، ليس لهذه الجريمة فحسب، بل عن حمم الطائفية التي تتطاير في كل أرجاء المنطقة، والتي حركت طهران بركانها الراكد منذ أزمنة بعيدة، فداعش بعقليتها الظلامية المتحجرة، وليدة القهر وإجرام المليشيا الشيعية التي استفزت بتطرفها تطرفاً مقابلاً، حين عاثت في الأرض فساداً، ومارست أقسى صنوف الاضطهاد الطائفي على العرب السنة، بدعم ومباركة إيرانية صريحة، لتنتج واقعاً تطغى عليه لغة الكراهية ونزعة عدائية متحفزة للانقضاض على الآخر.
فقدان الثقة والرِّيبة المتوهمة بالمؤامرة، استغلها متطرفون من مشايخ الشيعة في القطيف، حيث يحاولون ترسيخ رؤية مفادها تقاعس أجهزة الأمن لأسباب طائفية، مستغلين الأجواء المشحونة، بعد تلك العملية المروعة، وصولاً إلى ترويج حتمية وضرورة تنظيم لجان شعبية، تكون مهمتها الأمن الذاتي، وهنا مكمن الخطورة، فهو انتقاص لسيادة الدولة يُعبّر عن نزعة انفصالية، ومساس بهيبة الدولة، والذي قد يواجه بالقوة لو اقتضى الأمر، فهل تحمل تلك الدعوات استدراجاً للحكومة للوقوع في فخ مواجهة وخيمة العواقب في منطقة غنيّة بالنفط؟ فليس أبشع من الجريمة إلا استغلالها والزج بالأبرياء، ليدفعوا فاتورة باهظة الثمن لمآرِب سياسية لا تعنيهم.
ما حدث في القطيف قد يتبعه عمليات إرهابية أخرى، يقترفها التنظيم الدموي، والذي قد يكون مخترقاً من دول عدة، يُهمها أنْ لا تمضي السعودية في مسعاها إلى إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، وتبديل أولوياتها، في ظل مخاض سياسي عسير، تعيشه المنطقة، سيفضي إلى إعادة رسم الخارطة السياسية فيها، وتشكل نظام سياسي عربي وإقليمي جديد، سيقود إلى تغير موازين القوى وأشكال النفوذ السياسي، فصراع الرؤى السياسية المتباينة والساعية إلى غايات مختلفة، هي ما يزيد من وتيرة تأجيج النزاعات، وإطالة أمد الفوضى، فالحروب المستعرة في المنطقة العربية والاضطرابات كذلك، من الصعب أن ترى نهايات قريبة، حيث تكتوي الشعوب بمآسيها، وتتجرع مرارة الموت والخراب.
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
79A818D2-0B86-43CA-959C-675CEB3770CB
أحمد القثامي (السعودية)
أحمد القثامي (السعودية)