العرب وروسيا.. محاولة للفهم

العرب وروسيا.. محاولة للفهم

25 مايو 2015

من جلسات مؤتمر "العرب وروسيا"

+ الخط -
يسأل المحلل السياسي والإعلامي الروسي، سيرغي ستروخان، عمّن خسر الآخر، العرب أم الروس، في ورقته "الفرص الضائعة في العلاقات العربية الروسية"، والتي أوجزها في مؤتمر "العرب وروسيا: ثوابت العلاقة وتحولاتها الراهنة"، والذي نظّمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في الدوحة، واختُتم أمس الأحد، بعد عدة جلسات في يومين، أحاطت فيها أكثر من 35 ورقة بالجوانب المعقدة والمركبة للعلاقة بين العرب وروسيا، وبماضي هذه العلاقة وراهنها. ويوحي ذلك السؤال بأن علاقةً طيبة كانت بين الجانبين، ثم جرى خسرانها، الأمر الذي يتطلب تحديد المسؤولية عن ذلك، وكذا التأشير إلى الطرف الذي كان الخاسر دون الآخر. وإذا كان السياسيون لا يشغلون أنفسهم بمثل هذا السؤال، فإن أهل البحث أكثر اعتناء بالإجابة عنه.
وإذا كان سيرغي ستروخان قد افترض أن الإجابة معلقة، فإن المشاركين في المؤتمر، وحضوره وضيوفه، من الروس والعرب، اجتهدوا كثيراً في تعيين أوجه الخسارة الراهنة، في تراجع العلاقة بين الجانبين، وتردّيها ربما بين بعض الدول وروسيا، كما أوحت بحوثهم وأوراقهم بأن الروس خسروا ما كان لهم من رصيد معنوي غير قليل لدى الشعوب العربية، كما أن العرب خسروا صديقاً كان يمكن تثمير نقاط اتفاق وتفاهم معه وتحسينها. 
ما هو حيوي في بحث هذه العلاقة، الصعبة في بعض أوجهها، أن النظر إلى روسيا وريثةً للاتحاد السوفييتي، الصديق النصير للقضايا العربية في أزمنة مضت، يبقى حاضراً في الأذهان والمدارك. ولكن، لا يجدي هذا في التحليل والفهم السياسيين، فروسيا اليوم غير الاتحاد السوفييتي، وحساباتها ورهاناتها ومنظوراتها، ومصالحها قبل ذلك وبعده، مغايرة تماماً عما كانت عليه لدى الاتحاد السوفييتي. والعالم العربي ليس وحدة متماثلة، ولم يكن يوما كذلك، وهو بعد ثورات الربيع العربي واحتجاجات 2011 غير ما كان عليه، وبقدر ما كانت هذه اللحظة التاريخية انعطافية في التفاصيل الداخلية لعدة بلدان عربية، فإنها كانت محورية في تأثيرها على علاقات عريضة بين هذه البلدان والعالم، وقد أصابت أوراقٌ غير قليلة في المؤتمر عاينت هذا الأمر، عندما استعرضت أوجه الاضطراب والتأثر السلبي في العلاقات مع روسيا تحديداً، بسبب عامل الإسلام السياسي الذي برز قوة فاعلة وحاسمة بعد 2011، الأمر الذي أيقظ "مخاوف" روسية منه، ومن امتداداته وتأثيراته المحتملة في حياضها.
يعد المؤتمر مساهمة جديدة من المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الوقوع على تحليل راهن العرب وصلاته بالدول الكبرى والمؤثرة، إذ ينتظم بعد مؤتمرات عن أميركا والعرب وتركيا والعرب وإيران والعرب، وقد جاء التداول في شأن العلاقات العربية الروسية مناسبة مهمة في استكشاف أوجه العوار المستجدة في هذه العلاقة، بعد أن كان الاتحاد السوفييتي مصدر التسليح الأول والأهم لدول عربية غير قليلة، حاربت به إسرائيل، وكان يستقبل حشودا من الطلاب العرب الذين تأهلوا خبرات طيبة في غير حقل وميدان، وكان أيضا صديقا تقليديا للفلسطينيين في نصرة قضيتهم في الأمم المتحدة ومحافل العالم، على أن بعض العرب، في تلك العقود، كانوا مناوئين للاتحاد السوفييتي، ومناهضين له، وحلفاء لخصومه، لأسباب ثقافية وأيدولوجية معلومة.
طويت تلك الصفحات، واستجد إيقاع آخر، سارت فيه مصالح روسيا إلى إيران وتركيا وإسرائيل بمقادير أكثر من سيرها باتجاه العرب في الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا، حتى إذا طرأ الربيع العربي، وخصوصاً، في سورية، صارت نظرة الرأي العام العربي سلبية تجاه روسيا، كما كشف عن ذلك المؤشر العربي لقياسه، والذي أنجزه المركز، وجاءت عليه إحدى أوراق المؤتمر، كما جاءت ورقة أخرى على تمثيلات صورةٍ غير حسنة للعرب في وسائل الإعلام الروسية، وهذه واحدةٌ من زوبعة مشكلات كثيرة في علاقةٍ ما تفتأ تزداد تباعدا وريبة بين العرب وروسيا، بانتظار مفاعيل إقليمية أخرى، ومتغيرات سياسية واقتصادية، متوقعة ومفاجئة، لعلها تحد من "الفرص الضائعة".
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.