إنجازات حائرة في مصر

إنجازات حائرة في مصر

25 مايو 2015

لا مكان للدستور وأموال الناس يتم مصادرتها (Getty)

+ الخط -
مر نحو عامين على الانقلاب العسكري في مصر، لم يقدم فيه الانقلابيون لشعبهم كشف حساب بعد مائة يوم ولا سنة، ويرى بعض حسني النية أن قائد الانقلاب لا يمكن محاسبته، إلا بعد أن استولى على العرش (الرئاسة) رسمياً في حفل حضره داعمو الانقلاب وممثلوهم في يونيو/حزيران 2014. 

ولأن الإنجازات سرية، ولا يمكن البوح بها (علشان الأشرار)، كما صرح قائد الانقلاب، ومن قبل كان برنامجه الانتخابي سرياً للغاية، وكذلك رؤيته لحل المشكلات، لأنها تمس الأمن القومي من وجهة نظره العميقة. وما بين الأمن القومي والأشرار ضاعت الحقائق، وأريد لها أن تتوارى، وأن تنطمس معالمها، وسط زخم إعلامي يتحدث عن مؤتمر اقتصادي جلب مليارات الدولارات، وعن مليون فدان مستصلح ومليون شقة للفقراء، ويظل المواطن يسمع حديث الملايين والمليارات وهو يتسول ثمن خبزه، وينتحر، لأنه لا يستطيع أن ينفق على أولاده.
دعونا لا نلقي بالا بالأشرار، ونحاول مطالعة الإنجازات التي تمت، ونعلنها للشعب الصامد في الميادين منذ عامين، مطالباً بحريته لعله يطمئن لسلامة موقفه وعدالة قضيته.
أول الإنجازات وأهمها قد يكون محاولة حل مشكلة زيادة عدد السكان التي تؤرق الانقلابيين، ويجعلونها شماعة لكل فشل، فكان العلاج واضحاً في قول أحد مشايخ السلطة (اضرب في المليان)، وبالطبع الشعب هو المستهدف، فلم تتوقف آلة القتل والموت منذ ذلك التاريخ، وبأساليب مختلفة، منها القتل المباشر والقتل البطيء والقتل عبر اليأس بالانتحار والقتل عبر سلطة القضاء، فقد تم قتل شبابٍ عديدين برصاص الشرطة خلال عام تولية قائد الانقلاب. أما عن القتل البطيء داخل المعتقلات فقد تجاوز 170 شخصاً، وفقاً للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، من بينهم النائب، فريد إسماعيل، بالإهمال أو التعذيب أو نقص الهواء في الزنازين المكتظة. أما عن حالة اليأس التي أنشأت حالة جديدة من الإقبال على الانتحار وسط الشباب، فقد وصلت إلى 209 حالات في ثمانية أشهر من سبتمبر/أيلول 2014 وحتى إبريل/نيسان 2015، والعدد مرشح للزيادة، وعن حوادث الإهمال والفشل في إدارة مرافق الدولة حدث ولا حرج، فقد بلغ عدد قتلى حوادث الطرق أربعة آلاف، و15 ألف مصاب، خلال ثمانية الأشهر الأولى من 2014، وفقاً لمساعد وزير الداخلية المصري.
أما القتل عبر أحكام الإعدام في قضايا عبثية بتهم واهية، فقد تم تنفيذ الحكم على 7 أشخاص مناهضين للانقلاب حتى كتابة هذه الأسطر، بالإضافة إلى 479 حكماً في إطار الطعن والاستئناف، و122 بانتظار رأي المفتي، منهم الرئيس محمد مرسي والعلامة يوسف القرضاوي.
وفي سيناء، آلة القتل لا تتوقف، فخلال ستة أشهر طوارئ، تم قتل 681 خارج إطار القانون، وفقاً للمرصد المصري للحقوق والحريات، وهدم 2084 منزلا وتهجير أكثر من 21 ألف مواطن من سيناء، من دون أن يعرف أحد كيف قتلوا ولماذا، ويكفي أن يطلق عليهم المتحدث العسكري لفظ إرهابي أو تكفيري، لتمر الجريمة بلا تحقيق.

ثاني الإنجازات وأخطرها هو العلاج الخطير الذي اخترعه لواء الجيش ليعالج الإيدز وفيرس سي، من خلال تناول صوابع الكفتة اللذيذة، وعلى الرغم من تأجيل البدء به أكثر من مرة، إلا أن هذا العلاج سيظل الإنجاز الأخطر الذي سيقلب الدنيا رأساً على عقب، ولكن، ربما لن يتم تفعيله، نكاية في الأشرار.
ومن الإنجازات التي لا ينكرها إلا جاحد، وإن تأخرت أحد عشر شهراً، وهي قص شريط مشروع (عربيات الخضار)، والتي وردت في البرنامج الرئاسي، ليتم البدء في تسليم 200 عربة للخضار، حتى يمكن حل مشكلة بطالة الشباب، والبالغ عددهم وفقاً لأحدث إحصائية رسمية 3.5 ملايين عاطل، بواقع 18 ألف مواطن لكل عربية خضار.
ومنذ قرر قائد الانقلاب تعطيل العمل بالدستور بشكل مؤقت، فقد كان الإنجاز المهم تحويله إلى تعطيل دائم ووضعه في المتحف المصري، كتراث تتوارثه الأجيال، فلا مكان للدستور وأموال الناس يتم مصادرتها بمجرد الشبهة أو بقرار إداري، وأرواح الشباب يتم إزهاقها بتقارير يكتبها ضابط من الأمن الوطني، وأصبحت كلمات الحرية وحقوق المواطن من قبيل البلاغة اللفظية، لتنميق الحديث أمام العالم الخارجي.
وإذا نظرنا إلى الإنجاز الكارثي في الاقتصاد، فقد وصل عجز الموازنة العامة للدولة خلال التسعة أشهر الأولى من عام العرش إلى 218 مليار جنيه، على الرغم من الحصول على منح خارجية عينية ونقدية من الكويت بلغت 2.4 مليار دولار (18.2 مليار جنيه)، مقابل 176 مليار جنيه للفترة نفسها من حكم مرسي، وبلغ رصيد ديون الموازنة العامة 2074 مليار جنيه في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2014 مقابل 1644 مليار جنيه في تاريخ الانقلاب، وبزيادة 430 مليار جنيه، كما انخفضت قيمة الجنيه المصري خلال هذا العام بنسبة 8% من قيمته.
ولن يكون من المفيد التطرق إلى إنجاز الصندوق السري "تحيا مصر"، والذي قال عنه قائد الانقلاب إنه سيجمع مائة مليار جنيه (على جنب)، بمعنى عدم أخذهم في الحسبان، كما تم غلق ملف الصندوق السابق، من دون أن يعلم أحد كم من الأموال تم جمعها، وأين أنفقت؟ فلعل هذا أيضاً من الأمن القومي، ولتستمر المسيرة في الهبوط حتى تصل وتستقر في القاع.