يقين الخليل كوميدي

يقين الخليل كوميدي

20 مايو 2015

قرر الخليل كوميدي تقمص شخصية عبد الفتاح السيسي (إنترنت)

+ الخط -
إذا سألتني "هو مين أصلاً الخليل كوميدي؟"، فأنت، إذن، لست من رواد الإنترنت المبتلين بإدمان ذلك الشاب الطُّلعة، الذي لفظته أرض مصر التي لا تكف عن الطرح والنزح. وبالتالي، لست أدري: هل أنصحك بمشاهدة بعض فيديوهاته، قبل إكمال القراءة، فأخاطر بعدم عودتك إلى قراءتي إلى الأبد، أم أكتفي بتعريفك على أشهر "النكات" التي يلقيها الخليل كوميدي على متابعيه، والتي تقول: "واحد هههههههههه زرع وردة ههههههه طرحت أم كلثوم هههههه"، وإذا كنت لا تزال تقرأ، ولم تقرر إخراجي من حياتك فوراً، دعني أنبهك أن توزيع الـ "ههههه" بالشكل الذي قرأته هو أبرز ملامح التجديد الذي أدخله الخليل على "نكاته"، حيث يضع فيها كميات من الـ "ههههههه" بشكل عشوائي، لا يعلم تفسيره إلا هو، أو حتى هو، ليستحق بذلك اللقب الذي أطلقه على نفسه: "أصل الضحك في مصر". 
تعرفت على الخليل كوميدي في شهر رمضان الفائت، حين أتحف الصديق المدهش، آدم ياسين، متابعيه على "فيسبوك" بفيديو يلعب بطولته مونولوجست شاب غريب الأطوار، يسمي نفسه الخليل كوميدي، يقلد أغنية برنامج (رامز قرش البحر)، بشكل يجعلك تظن أنه يطلق صرخة احتجاج ضد سماجة برنامج رامز. ولكن، بتقديم أداء أشد سماجة وغتاتة، قبل أن تكتشف أن ذلك الشاب الملغز يوقن أنه يقدم كوميديا صاخبة من العيار الثقيل، وأنه صاحب سوابق كوميدية أخرى (بضم الألف لو سمحت)، بدأت تجد طريقها إلى الإنترنت منذ أواخر 2012، بل إنه اخترق (قناة نايل لايف) مطلع 2013، ليكتسب بختم ماسبيرو شرعية الفنان المبثوث، وينبري بعدها لإنتاج فيديوهات غير مسبوقة في تاريخ الكوميديا، سيعقم الزمان عن الإتيان بمثلها.
ستلاحظ حين تشاهد فيديوهات الخليل كوميدي، أنه يمتلك ثقة شديدة جداً بنفسه و"ماتيرياله"، تجعله لا يلتفت، بتاتاً، لمئات الشتائم المنهالة عليه، ربما لأنه أدرك دورها في ارتفاع عدد مشاهدات فيديوهاته التي وصل أحدها إلى 155 ألف مشاهدة، وهو رقم لو تعلمون عظيم. لذلك، قرر أن يرد على شاتميه بإغراقهم في الحب واللطافة، ما جعل بعض شاتميه يخجلون، فيستبدلون شتيمته الصريحة بالتنمير والتأليس، ليفاجأوا به يرد بالمزيد من الهههههههههههه، وبتسامح غامض، يعجز عنه الراسخون في البوذية، فيسقط في أيديهم، ويقع بعضهم منه في غرامه، فيرسل إليه رسائل مليئة بالإعجاب، بسُمك صبره وثخانة جَلَده في مواجهة قسوة "الهيترز"، حتى أن صديقاً لنا بدأ يكتب فيلماً مستلهماً من رحلة كفاح الخليل كوميدي، بوصفه الطبعة المصرية المتفردة، من الكوميديان الأميركي، آندي كوفمان، الذي قام المخرج ميلوش فورمان والممثل جيم كيري بتخليد سيرته في فيلم (رجل فوق القمر)، بوصفه صانع ضحك لا يُضحك أحداً، ولا يهتم بأن يعترف له أحد بأنه مضحك، طالما هو وحده مقتنع بذلك.
ليس من السهل أن ترتقي في مدارج السالكين، فتعرف قدر فيديوهات الخليل كوميدي بسهولة، وتلتقط رسائله الخفية التي ربما ظننت أنه يخاطب بها أكواناً أخرى، وأجيالاً قادمة، لكنك ربما وجدت نفسك بسهولة، وقد أدمنت فيديوهاته، كما فعل صديق أصبح يعتبرها وسيلة علاج نفسي مجاني، تذكّره بأنه لا يزال بخير، مهما تدهور به الحال، في حين تعاطى صديق آخر معها، بشكل أكثر جدية وإيجابية، حين صارحنا أنه يزمع الاتصال برقم المحمول الذي يلزقه الخليل في كل فيديوهاته، ليأخذ منه عنوانه التفصيلي، ويسافر إليه، ويمثل بين يديه، ليتعلم منه مناهج اليقين، وطرق الثبات الإنفعالي ووسائل الصمود في وجه "ديسلايكات الحياة"، خصوصاً وهو رجل يبلغ "ديسلائكوه" أضعاف "لائكيه"، من دون أن يفتّ ذلك في عضده أبداً، وهو ما جعل صديقنا الذي يعاني من ضعف الثقة بالنفس يكثر من دعاء: "اللهم أسألك يقيناً كيقين الخليل كوميدي".
أخيراً، قرر الخليل كوميدي تقمص شخصية عبد الفتاح السيسي، فكتب لكارهيه على أحد فيديوهاته "أنا عارف إنكم بتشتموا من ورا قلبكم هههههه إنتو مش عارفين إنكو نور عينينا ولا إيه ههههههههه"، ليعلن بعدها بقليل قائلاً "هاقلد رئيسي المحبوب السيسي في سلسلة فيديوهات هادفة"، فيحل لي، بذلك القرار، لغز يقينه الراسخ بقدرته الخارقة على الإضحاك، والذي أجزم أنه لم يتولد لديه، إلا حين رأى أشخاصاً، مثل طنطاوي ومرسي والسيسي، يصلون إلى أرفع مناصب البلاد، فيؤدون أداءً في غاية الخطل والهطل، من دون أن تفارقهم الثقة بعظمتهم، ومن دون أن يعدموا من يموت فيهم ويموت من أجلهم، فيصل الخليل إلى يقين أكيد بأنه بمجرد تصديق نفسه والثقة فيها، سيصبح كوميدياناً ناجحاً ومشهوراً، لأن من أعطى هؤلاء بالمغرفة، هههههههه قادر على أن يعطيه بالكستبان هههههههههه.
انتخبوا الخليل كوميدي رئيساً لمصر.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.