ما يزعج السيسي في حسن سلامة

ما يزعج السيسي في حسن سلامة

20 مايو 2015

الأسير الفلسطيني حسن سلامة

+ الخط -
يعرف عبد الفتاح السيسي أن حسن سلامة، أحد أبرز قادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس معتقل في سجون الاحتلال الصهيوني منذ 19 عاماً. ويعي، أيضاً، أن قراره بالزج بحسن سلامة في قضية اقتحام السجون المصرية وإصدار حكم إعدام عليه ستتحول إلى مادة للتندر، ومناسبة أخرى لإبداء الجزع والحزن على ما وصلت إليه الأمور في "أم الدنيا"، منذ أن اغتصب السلطة. لكن السيسي قرر، منذ البداية، عدم الاكتراث بوعي مواطنيه، وتجاهل الرأي العام في مصر والعالم العربي، في سبيل استرضاء من يرى أنهم يمكن أن يساعدوه في تثبيت أركان نظامه. فالحكم بإعدام حسن سلامة يمثل رسالة أخرى لحكام تل أبيب أن رهاناتهم على دعمه في محلها، وأنه يوفر البضاعة التي يطلبونها. فحسن سلامة قد تحول إلى أسطورة في حياته، بعد أن تمكن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وكان في العشرينيات من عمره، من العصف بالمنظومة الأمنية الصهيونية، بعد أن تسلل من غزة إلى الضفة الغربية، ليقيم خلايا عسكرية، حولت حياة المستوطنين في أرجاء الضفة إلى جحيم. 
حسن سلامة الذي خطط وأشرف على تنفيذ الردود المزلزلة، انتقاماً لاغتيال القائد يحيى عياش، في مطلع العام 1996، فقتل عشرات من جنود الاحتلال ومستوطنيه وجرح المئات. وقد أدت العمليات التي قادها إلى المسّ، بشكل غير مسبوق، بمستويات الشعور بالأمن الشخصي لدى الصهاينة، وفاقم من أزمة الثقة بين نخب الحكم في تل أبيب والرأي العام الصهيوني، إلى درجة أدت إلى سقوط حكومة شمعون بيريز في الانتخابات التي أجريت في العام نفسه.
قال الرئيس الأسبق لاتحاد الصناعيين في إسرائيل، داني جيلرمان، إن حسن سلامة أسهم، أكثر من أي شخص آخر، في ردع المستثمرين الأجانب عن القدوم إلى إسرائيل، في حين دللت المعطيات الإحصائية أن عملياته زادت من وتيرة الهجرة العكسية من إسرائيل. وفي ديباجة الحكم عليه بـالسجن 48 مؤبداً، قال القاضي العسكري الصهيوني الذي أصدر الحكم عليه إن العداء الذي اكتنزه صدر حسن سلامة تجاه المشروع الصهيوني جعل تصميمه على المس بهذا المشروع يفوق كل التصورات.
من هنا، أراد السيسي، من زجّه الهزلي بحسن سلامة وبقية قيادات الذراع المسلح في "كتائب القسام"، وجلهم من الشهداء، في قضية اقتحام السجون المصرية، أراد أن يعزز الرسائل التي ما فتئ يبعث بها لتل أبيب، وترمي إلى طمأنة حكامها بأنه تجدر مواصلة الاستثمار في دعمه. وبالمناسبة، تفسّر أوساط كثيرة في إسرائيل سلوك السيسي العدائي تجاه حماس على هذا النحو. فالمستشرق الصهيوني، رؤفين بيركو، يرى أن السيسي، من خلال إبرازه مظاهر العداء تجاه حماس، يريد أن يطمئن إسرائيل والغرب أنه بالإمكان الاعتماد عليه في مواجهة "الإرهاب الإسلامي" (يسرائيل هيوم،27-6-2014). وحتى أكثر المعلقين الصهاينة حماساً لنظام السيسي ممن تناولوا اتهامات نظامه لحماس يؤكدون أنها لا تمت للواقع بصلة.
لا يحتاج السيسي إلى إخراج هذه المهزلة، من أجل أن يقنع القيادة الصهيونية، ونخب تل أبيب، بعوائد الرهان عليه. ولا حاجة للتذكير مجدداً بالرسالة العلنية التي بعثت بها الدبلوماسية الصهيونية، روت لاندوا، للسيسي، ونشرتها صحيفة يديعوت أحرنوت بتاريخ 13-10-2014، بعنوان "سر يا سيسي وشعب إسرائيل خلفك"، وعبرت فيها عن انبهارها من "الشوط الذي قطعه السيسي من أجل خدمة شعب إسرائيل"، ولم يفتها التأكيد على أن أهم إسهامات السيسي في دعم "الأمن القومي" الإسرائيلي هو دوره في محاصرة المقاومة الفلسطينية. يلحظ كل من يتابع الجدل الصهيوني الداخلي، ببساطة، أن النخب الصهيونية اليمينية، والأكثر عنصرية، هي الأشد حماساً في دعم نظام السيسي. وهناك قائمة طويلة جداً من هؤلاء المتحمسين، ليس آخرهم وزيرة الثقافة الليكودية الهاذية، ميري ريغف، التي تقود الحملات الهادفة إلى تدنيس المسجد الأقصى. أكثر ما يعزز الإدراك الصهيوني بحجم الإنجازات التي تحققت في أعقاب الانقلاب في مصر حقيقة أن السيسي، وبخلاف حسني مبارك، لا يتردد في الإقرار بأن سياساته الأمنية تهدف، أيضاً، لخدمة إسرائيل. فقد أكد السيسي، أكثر من مرة، أن انتشار القوات المصرية في سيناء يهدف، أيضاً، إلى تحسين البيئة الأمنية في إسرائيل. من هنا، إن أهم استنتاج ولج إليه المعلق الصهيوني، أمير تيفون، الذي عنى خصوصاً بإجراء سلسلة من التحقيقات حول العلاقة المصرية الإسرائيلية، هو أن عهد السيسي يمثل العصر الذهبي لهذه العلاقات.
اللافت أن الحرص الصهيوني الرسمي على السيسي وصل إلى درجة أن نخب الحكم في تل أبيب تتجنب الإقرار بأيٍّ من مظاهر العلاقة الحميمية بينه وبين نتنياهو، خشية إحراج النظام في القاهرة. فعندما عندما أقر السيسي، في مقابلته، أخيراً، مع صحيفة واشنطن بوست بأنه يتحدث "كثيراً" مع نتنياهو، رفض ديوان الأخير التعليق. وعندما استندت إيليت شاحر، المراسلة السياسية لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إلى مصادر في ديوان نتنياهو في تأكيدها على أن السيسي عرض على نتنياهو إقامة الدولة الفلسطينية شمال سيناء، وأنه لا حاجة لإخلاء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، سارع الديوان لنفي الرواية التي أكدها الوزير نفتالي بنات، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن. لكن، هناك قلة في إسرائيل يحذرون من مخاطر حماس السيسي لمساعدة إسرائيل في حربها على المقاومة الفلسطينية، ويرون أن سلوك السيسي يفضي إلى نتائج عكسية. فعلى سبيل المثال، يرى المعلق العسكري، أمير أورن، أن موقف السيسي خلال الحرب الإسرائيلية العدوانية، الصيف الماضي، على غزة، أضر بإسرائيل، لأن كراهيته الشديدة للحركة جعلته يماطل في التوصل إلى تسوية تنهي الحرب، ما أدى إلى إطالة أمدها بشكل أضر بإسرائيل (هارتس،2-3). قصارى القول: السيسي يتخذ هذا الموقف من حسن سلامة وأمثاله، لأنه يدرك أنه يمثل النقيض له.