مشاورات دي ميستورا والحل السوري

مشاورات دي ميستورا والحل السوري

14 مايو 2015
+ الخط -
بدأت مشاورات ستيفان دي ميستورا في جنيف، وهي طويلة، ومتشابكة، ومختلطة، وتبدو كأنها تهدف إلى الوصول إلى بلورة صيغة للحل، على ضوء التعرُّف على آراء الأطراف المختلفة. وهذا يشير إلى شكل ما من تجاهل مبادئ جنيف1، وهو ما جعل بعضهم يقول إن الهدف من المشاورات تجاوز جنيف1، والاستمرار بما بدأه الروس، والذي يتعلق بتجميع "معارضة" تقبل الحل في ظل استمرار وجود الأسد. ويجري هنا استغلال أن المبادئ لا تنص مباشرة على رحيل بشار الأسد للقول بأنه لا يشمل ذلك، ومن ثم جرى توسيع "القوى المعارضة" إلى حدِّ أنها باتت تشمل أعداد كبيرة من الذين يقبلون هذا "التعديل" في مبادئ جنيف1، أو الذين هم أصلاً جزء من النظام. ولهذا، تبدو المشاورات كأنها "تضييع للوقت"، جزء منه يهدف إلى "ترويض" أطراف معارضة، لكي تقبل باستمرار بشار الأسد.
وبغض النظر عن الوضع المستجد، والذي يشير إلى تحوّل كبير على الأرض، تجدر الإشارة إلى مبادئ جنيف1، خصوصاً بند تشكيل "هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية"، والذي يُقال إنه لا ينص على رحيل بشار الأسد. المعنى الدقيق لهذا النص أنه يعتبر الوضع القائم منتهياً، ويحتاج إلى مرحلة انتقالية، تحكم فيها "هيئة حكم". ومعنى ذلك أن الهيئة منوط بها كل ما يتعلق بالحكم، من دون وجود أي مؤسسة من مؤسسات السلطة الحالية، لا الرئاسة ولا الحكومة ولا مجلس الشعب ولا مجلس القضاء الأعلى، وأن الهيئة الجديدة هي المعنية بذلك كله. بالتالي، يجب أن يتركز أي بحث يتركز على كيفية تطبيق ذلك، للوصول إلى تشكيل هيئة الحكم هذه، أي ممن تتشكل؟ أو ما هي نسبة النظام الحالي ونسبة المعارضة ونسبة "الكفاءات"؟ وكيف يمكن أن يتحقق فعلياً؟
وهذا يعني الشغل على الأطراف المشاركة، فقد تشملت مفاوضات جنيف 2 وفداً أرسله بشار الأسد، وآخر للمعارضة انحصر في الائتلاف الوطني السوري. وبالتالي، كانت المفاوضات تعاني من اختلالين، الأول أن السلطة القائمة، والتي ترفض الحوار أصلاً، ولا تعترف بمبادئ جنيف1، هي التي تمثلت في جنيف2، فكان الفشل محدَّداً منذ البدء، لأن السلطة أرسلت من يفشل المفاوضات، وليس من ينجحها. والثاني أن الائتلاف وحده من مثّل المعارضة، فجرى تجاهل الأطراف الأخرى.
إذن، إذا كان الشغل يجري للوصول إلى حل سياسي، فإن المطلوب ليس المشاورات ولا الحوارات حول مبادئ الحل الواضحة في مبادئ جنيف1، بل الشغل على ترتيب الأطراف التي تقبل هذا الحل وتنفيذه. هنا، يطرح السؤال بشأن صيغة المعارضة التي يمكن أن تشارك، ويمكن أن تمثّل صيغة تُقبل من الكتائب المسلحة على الأرض، وتضم معظم أطياف المعارضة المشتتة، والتي تنطلق من التمسك برحيل الأسد مدخلاً ضرورياً وحاسماً للحل. ويبدو أن قوى إقليمية هي التي تنشط من أجل "ترتيب" الوفد الذي سيشارك حين يحين الأمر. ويبدو أن التوجه بات واضحاً، بعد التوافق السعودي القطري التركي.
ويُطرح الأمر نفسه على وفد السلطة، حيث من الواضح أن إيكال الأمر لبشار الأسد يعني الفشل، لأنه يرفض الحل الذي يقوم على إبعاده عن السلطة، ولهذا يفرض مبادئ جنيف1. لهذا، يفترض هذا الأمر الواقع إبعاد بشار الأسد عن السلطة سابقاً على الحل السياسي، إذا كانت الإرادة تتمثل في إنجاحه. ووفق الوضع القائم الآن، فإن هذه الخطوة مرتبطة بما يجري بين أميركا وإيران، وأميركا وروسيا، حيث أن إزاحة بشار الأسد تفترض الموافقة الروسية الإيرانية، فهما من يمكن أن يرتب الكيفية التي سيخرج عبرها، أي "الإقناع" أو الترحيل الإجباري أو القتل (كما يجري في الفترة الأخيرة). حينها، سيكون "تطبيق" جنيف1 سهلاً، ومتوافق عليه مسبقاً. هذه هي الخطوة الحاسمة من أجل الوصول إلى حل سياسي.
إذن، دي ميستورا يتسلى ليس أكثر.