"الشرعية" والشعبية

"الشرعية" والشعبية

25 ابريل 2015

نصر الله وخامنئي في طهران (أبريل/2013/Getty)

+ الخط -

لم يعد حزب الله في لبنان يخفي توسع دوره السياسي والعسكري في المحيطين، القريب والبعيد. منذ بدء نشاطه العسكري في سورية مع بداية الثورة ومشاركته في القتال إلى جانب النظام، بات يمثل طرفاً في المعادلات السياسية والعسكرية الإقليمية، وأصبح نفوذه أكبر مما كان عليه في مرحلة مواجهة إسرائيل قبل عام 2006، تاريخ آخر الحروب التي خاضها في مواجهة قوات الاحتلال.

غير أنه، مع بدء المعارك في اليمن، وانطلاق عمليات "عاصفة الحزم"، ومن بعدها "إعادة الأمل"، أصبح واضحاً أن هناك تضخماً في دور الحزب وارتباطاته، حتى كاد يصبح ناطقاً باسم إيران في المنطقة. هذا ما تجلى في مؤتمر "التضامن مع الشعب اليمني" الذي احتضنته الضاحية الجنوبية الأسبوع الماضي، وخرج عبره الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ليطلق جملة مواقف تؤكد وضعه الجديد. لم يقف نصر الله عند حدود التضامن وإدانة الغارات الجوية للتحالف العشري في اليمن، بل نصّب نفسه ناطقاً باسم الحوثيين، وأعلن عنهم أنهم لن يقبلوا بأي حل سياسي، ولم يرضوا بعودة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، إلى عدن. وهذه مواقف لم يكن الحوثيون أنفسهم قد أعلنوا عنها سابقاً، بل حتى زعيمهم عبد الملك الحوثي لم يكن قد خرج ليطلق موقفاً صريحاً من الوضع في اليمن، فقد بدا أن عبد الملك كان بانتظار خطاب نصر الله ليعين موعد خطابه، وهو ما حدث فعلياً بعد ذلك بأيام، إذ أعلن بنفسه ما كان الأمين العام لحزب الله قد سبقه إليه.

وأوحت مفارقة خطابي نصر الله والحوثي أن الأول يمثل دور "الوصي" على الأخير، وهو الأكبر سناً والأكثر خبرة، وسبق له أن خاض معارك كثيرة مماثلة منذ مواجهته إسرائيل، مروراً بالداخل اللبناني و"قتال الأخوة" في الثمانينيات، وصولاً إلى القتال في سورية. وإضافة إلى الخبرة الميدانية، فإن للحزب تجربة سياسية طويلة، تخوله أن يكون مقرراً سياسياً باسم الحوثيين، و"وكيلاً شرعياً" لإيران، وناطقاً باسم قواها في المنطقة، سواء في سورية أو العراق أو اليمن.

في مقابل هذه النقطة السياسية التي أظهرها خطاب نصر الله، و"الشرعية" التي جعلته متكلماً باسم الحوثيين، كان لافتاً أن الأمين العام لحزب الله لا يزال يعول على شعبية ما له في العالم العربي، تسمح له بمخاطبة الجماهير العربية بالأريحية نفسها التي كان يقوم بها، بعيد عدوان 2006. في تلك الفترة، تحول نصر الله، بين ليلة وضحاها، إلى أيقونة عابرة للطوائف والمذاهب والخلافات السياسية في العالم العربي، وباتت صوره ترفع في تظاهرات الدعم للبنان في مواجهة العدوان الإسرائيلي في كل العواصم العربية. ما بعد 2006، راكم نصر الله كثيراً من المصداقية في الشارع العربي، لكنه ما لبث أن آثر التفريط فيها، بدءاً من قراره الدخول في "الحرب الأهلية اللبنانية المصغرة" في 2008، التي كانت فاتحة استنزاف الشعبية العربية لحزب الله، وصولاً إلى دخوله للقتال ضد الشعب السوري، الذي مثل نهاية القبول الشعبي العربي لحزب الله، ليتحول الأمر إلى عكس ذلك تماماً.

المفارقة أنه يبدو أن نصر الله لا يزال غير واعٍ لهذا النزف الكبير في الشعبية، خصوصاً مع حال الاصطفاف المذهبي في المنطقة، والذي كان لحزب الله وأمينه العام دور بارز فيها. ومع ذلك، سعى، في إطلالته الأخيرة، إلى مخاطبة الشارع العربي الذي من المؤكد لم يعد حريصاً على متابعة ما يقوله نصر الله، ولا مطالباته التي ربما كانت، في السابق، تثير ردود فعل كثيرة عابرة للنطاق السياسي الضيق للحزب وجمهوره، لكنها اليوم باتت بلا قيمة حقيقية.

ما بين "الشرعية" الجديدة التي كسبها نصر الله والشعبية التي خسرها، لا ينفك حزب الله يتقوقع، وينزوي عن محيطه، بعدما كان في مرحلة من المراحل رمزاً يحتذى.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب رئيس تحرير "العربي الجديد"، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".