شمشونيّة بشار.. هزيمة أم انتصار؟

شمشونيّة بشار.. هزيمة أم انتصار؟

18 ابريل 2015
+ الخط -
لم يكن أشد المتشائمين، من السوريين وغيرهم، ببشار الأسد، يتوقع أن يصدر مثل هذا السلوك الإجرامي الهمجي من شخص روّج له كثيراً عند توريثه السلطة من أبيه عام 2000 بأنّه شخص مثقّف ومنفتح على كل الآراء والأفكار، ويسعى، في الوقت نفسه، إلى إحداث نقلة نوعيّة في سورية، من خلال قيادة مسيرة التطوير والإصلاح، لإخراج البلاد من حالة الفساد وسيطرة الأجهزة الأمنيّة والحرس القديم. إلا أنّ الواقع كان خلافاً لذلك تماماً، فما جناه الشعب السوري، منذ وراثة بشار الأسد السلطة وحتى مارس/ آذار 2011، كان كفيلاً بهذا الشعب لإطلاق ثورته، تحت شعار إصلاح النظام، بعد كسر طوق الخوف الذي صنعه حافظ الأسد وزبانيته، منذ أكثر من أربعين عاماً، لتنطلق الثورة السوريّة المباركة بسواعد الشباب السوريين العزّل، ولتتطور، بعد أن أصرّ النظام على استخدام كل الأسلحة لقمع الثورة، إلى ثورة مسلّحة أدخلت البلاد في أتون حرب طويلة، امتدت نحو أربع سنوات، حصدت أرواحاً كثيرة، ودمرت البلاد والعباد، بعد أن أباح بشار الأسد لأجهزته الأمنية، ومن ورائها شبيحته، بمسمياتها المختلفة (دفاع وطني، لجان شعبية، كتائب البعث وغيرها)، استخدام كل الطرق والأساليب في سبيل قمع الثورة الشعبية، والبقاء في السلطة تحت شعار "أنا أو سورية"، وشعار "الأسد أو نحرق البلد"، ليضع مصيره في كفّة ومصير سورية بأكملها وبكل طوائفها ومكوناتها في كفة أخرى، متبنياً الخيار الشمشوني الذي يقوم على تعميم الشر (عليّ وعلى أعدائي).

تبنّي بشار الأسد الخيار الشمشوني دليل واضح على إيقان النظام بأنّ أيّامه أضحت معدودة، وأنّه لا خيار أمامه إلا تعميم الشر في الاستخدام المفرط للقوة، بعد أن تفاقمت الأمور، وخرجت عن السيطرة، في ظل مجموعة تطوّرات داخليّة وإقليميّة ودوليّة، أعطت مؤشرات واضحة على قرب نهاية النظام، ما يدفعه إلى محاولة إحراق البلاد، وتدمير ما تبقى منها.
على الصعيد الداخلي، وبعد أن تحدّث النظام السوري أنّ 2015 هو عام إنهاء المؤامرة الكونيّة على سورية، والقضاء عليها، لتبدأ مسيرة إعادة الإعمار، جاءت الوقائع لتكون مغايرة لترويجات النظام وكذبه، حيث كان 2015 عام الانتصارات الكبرى للثورة، بعد أن استطاع الثوار، من خلال توحيد جهودهم وتشكيلاتهم، من تحرير مناطق ومراكز مهمّة، سقطت كأحجار الدومينو في أقل من شهر، كتحرير مدينة إدلب في الشمال، لتكون ثاني مركز محافظة تخرج عن سيطرة النظام بعد الرقة، وكذلك تحريرهم بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، والتي كانت تعد مأوى للشبيحة الطائفيين، اتبعوها بتحرير معبر نصيب الحدودي مع الأردن، والذي عدّ ضربة قوية للنظام أفقدته المعبر الحدودي الأخير الذي يربطه بدول الجوار (عدا المعابر اللبنانيّة التي ما تزال تحت سيطرته)، إلى جانب اقتراب الثوار من تحرير حلب، بعد أن استطاعوا تدمير مبنى المخابرات الجويّة، والذي يعد من أعتى التحصينات الأمنية في حلب. وبسقوطه، يكون الثوار قد وضعوا الخطوة الأولى والأهم لتحرير حلب بالكامل، وبالتالي، سيطرة الثوار على منطقة جغرافية واسعة، تضم مدينتي إدلب وحلب، وهو ما سيخلق منطقة عازلة في شمال سورية، بالتعاون مع أصدقاء الشعب السوري، تضم كتلة بشريّة واقتصاديّة ضخمة، تستطيع من خلالها المعارضة أن تدير شؤون المنطقة بسهولة ويسر، وتكون مقدمة لتحرير مدن وبلدات أخرى، وخصوصاً بعد حالة التململ الكبيرة التي بدأت تضرب طائفته، بعد فقدانها أعداداً كبيرة جداً من شبابها، دفاعاً عن بشار الأسد وكرسيه.

طبعاً هذا التقدّم الذي حققه الثوّار يمكن إرجاعه الى توحّد معظم الكتائب والفصائل تحت راية واحدة، وتوجهها لمقاتلة النظام ونبذ الخلافات الجانبيّة، كما يمكن إرجاعه إلى عوامل إقليميّة ودوليّة تمخّضت عنها نتائج إيجابيّة، دفعت بالثوار إلى التقدّم. فمن جهة، يمكن الحديث عن قرار عربي ـ إقليمي لدعم الثوار معنوياً ولوجستياً، ووضع حد لإجرام النظام ومليشياته، وهنا يمكن الحديث عن عاصفة الحزم، وما مثّلته من نقطة تحوّل مهمّة في المنطقة، فاجأت العرب أنفسهم قبل إيران، فلا يخفى على أحد مدى التأثير الإيجابي الذي تركته عاصفة الحزم في اليمن على أوضاع الثورة في سورية، وخصوصاً أنّها انطلقت لتحجيم النفوذ الإيراني في اليمن، وبالتالي، سينعكس إضعاف الدور الإيراني في المنطقة إيجاباً على الثورة السورية، من خلال تغيير موازين اللعبة، وكسر التوغل الإيراني في المنطقة، وإن جاء متأخراً بعض الشيء، إلا أن ذلك لا ينفي أهمية الخطوة العربية في اليمن، والتي قد تكون مقدمة لخطوة ثانية في سورية.

كل ما سبق يعطي مؤشّرات أنّ النظام اقترب من نهايته، وهو ما يدركه النظام بنفسه، وما إجرامه الأخير وتصعيده لحملته البربرية على المناطق المحررة، وارتكابه المجزرة تلو المجزرة، سوى دليل على إيقانه بقرب نهايته، وأنّ بقاءه في السلطة أصبح من ضروب الخيال (كأمل إبليس في الجنّة). لذلك، صعّد من خياره الشمشوني، وبدأ قيادة حرب إبادة شاملة، تشمل كل المدن والبلدات والقرى المحررة، وتحت شعارات زائفة، كمحاربة الإرهاب والتكفيريين والمسلحين، وبدأ توزيع الرعب والخراب والتفجيرات في المنطقة بأكملها، مثل الطغاة الراغبين بالاحتفاظ بالسلطة، لا يتورّعون عن فعل أي شيء يؤمّن استمرار حكهم أو بقاءهم في السلطة بشتّى الطرق والوسائل المتاحة، فإن فشلوا دمروا بلدانهم، كما فعل "شمشون" البطل الأسطوري، الوارد ذكره في قصص بني إسرائيل (سفر القضاة)، والذي هدّم أعمدة المعبد فوق رؤوس الذين تجمّعوا فيه من أفراد الشعب، بعد أن كانوا قد عذبوه وسجنوه قائلاً: "عليّ وعلى أعدائي". وهذا ما يخطط له بشار الأسد وينفذه من خلال تدمير سورية، بتاريخها وحضارتها ووجدانها، بعد أن فقد الأمل بالبقاء بالسلطة، لينهج نهج والده الذي دمّر حماه عام 1982، وسوّى أحياءها بالأرض، وقتل آلافاً من أهلها، وهجّرهم في سبيل إخضاع الناس لسلطته، لكن شتّان ما بين الأمس واليوم، فالشعب السوري مستمر في ثورته ونضاله ومواقع الأسد تسقط واحداً تلو الآخر، والمعركة اقتربت من نهايتها، واقتربت معها نهاية بشار الأسد، وكل من يشدّ على يديه، بدءاً بطائفته ومليشياتها، مروراً بمليشيات حزب الله والمليشيات الطائفية الأخرى، وانتهاءً بمصالح إيران وروسيا في سورية والمنطقة.

avata
avata
بشار أحمد (سورية)
بشار أحمد (سورية)