حرب في ذكرى الحرب

حرب في ذكرى الحرب

18 ابريل 2015

مقاتلون على أحد متاريس الحرب الأهلية اللبنانية (15أيار/1976/Getty)

+ الخط -

"تنذكر ما تنعاد"، بهذه العبارة يستعيد اللبنانيون، كل عام، ذكرى الحرب الأهلية التي مرت على البلاد واستمرت، رسمياً، 15 عاماً، وتحديداً من 1975 إلى 1990، حين تم التوصل إلى اتفاق الطائف، على اعتبار أنه "الخلاص" من الاقتتال الداخلي، ومدخل إلى بناء الدولة.
40
عاماً مرت على اندلاع الشرارة الأولى للحرب الأهلية، و25 عاماً على ما كان من المفترض أن يكون اتفاق إنهاء الحرب وقيام الدولة التي لم تقم لها قائمة، منذ ذلك الوقت، بل على العكس ازداد تفككها، وولدت فيها دويلات صغيرة في الأحياء والمناطق. مع ذلك، اعتاد اللبنانيون، في كل عام، استدعاء تاريخ الثالث عشر من نيسان في أجواء فولكلورية حافلة بالتكاذب الأهلي. لكن، كان الوضع هذا العام مختلفاً، ربما لأن الوضع ما عاد يحمل مثل هذا التكاذب، في ظل الاحتقان الذي وصل إلى حدّه، وبات على حافة انفجار حقيقي، يعيد إلى الأذهان الأوضاع التي كانت سائدة في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته.

لم يعد أحد في لبنان، اليوم، يخفي خوفه من امتداد النيران المشتعلة في المنطقة الواسعة، من سورية إلى العراق ثم اليمن، إلى الداخل، بل هناك استغراب صريح من تأخر انفجار الوضع، خصوصاً أن لمكونات الاحتراب في هذه الدول امتداداً في لبنان، بشكل رسمي وغير رسمي. لا أحد ينكر أن الوضع السوري قسم اللبنانيين إلى قسمين، مؤيد للثورة ومناهض لها. انقسام تحوّل إلى اقتتال مباشر بين الطرفين، لكن، على الأرض السورية. فكل طرف أرسل من يمثله للمشاركة في سفك الدم السوري. حتى إن سياسيين لم يتوانوا عن رفع شعار "لنتقاتل في سورية"، على غرار ما أعلنه الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله.

وللعراق له حصة من الانقسام اللبناني، بالتأكيد على خلفيات طائفية ومذهبية، ازدادت استعاراً في الآونة الأخيرة، حتى تكاد تضاهي، أو تتفوّق على، ما كانت عليه إبّان فترة الاقتتال الأهلي، الذي بدأ أساساً على خلافات سياسية قومية ووطنية، قبل أن يدخل الدين عاملاً فيه. لكن، الأمور اليوم مختلفة، إذ الخلاف المذهبي هو الأساس، من دون أي خلفية سياسية، ولا سيما بالنسبة إلى الجمهور الذي يتحول، بالعادة، إلى حطب الحرب. فلا معطيات سياسية بالنسبة إلى هؤلاء حول أسباب وقوفهم مع هذا الطرف أو ذاك.

وجاءت الحرب في اليمن و"عاصفة الحزم" لتشكل النقطة التي أفاضت الكأس، خصوصاً أن الاصطفاف وصل إلى حده، والتراشق السياسي بات في ذروة حدّته، والأحاديث الداخلية التي كانت تتكلم عن تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، لم تعد تتوانى عن التلميح إلى إمكان تفجر الأوضاع في لبنان، على خلفيات ما يجري في اليمن تحديداً، ولا سيما أن الوضع هناك هو الأكثر تشابهاً مع ما هي عليه الأمور في لبنان.

يبدأ التشابه بين اليمن ولبنان من حيث وجود قوات عسكرية غير رسمية، ذات تنظيم عالٍ (الحوثيون وحزب الله) في مواجهة مجموعات مسلحة صغيرة غير مدربة (اللجان الشعبية والمقاتلون في الأحياء). التفاوت في القوة بين الطرفين أهّل الحوثيين للسيطرة على كل البلاد، قبل تدخل "عاصفة الحزم"، تماماً كما كان عليه الوضع في السابع من مايو/أيار 2008 في بيروت، وهو ما يمكن أن يتكرر في لبنان في ظل الاحتقان السائد، وفي محاولة لاستكمال ما بدأه الحوثيون في اليمن.

بين اليمن وسورية والعراق، يبدو أن النيران التي كانت تحت الرماد اللبناني بدأت ألسنتها تخرج إلى العلن، وباتت الاستعدادات قائمة لتحمل لسعاتها. والمفارقة أن مثل هذه الأجواء الحربية اللبنانية تأتي في ذكرى الحرب الأهلية التي لا يبدو أن اللبنانيين طووا صفحاتها، فـ "كل جيل منهم يريد حربه الخاصة".

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".