الأحلام جابرة خواطر الخاسرين

الأحلام جابرة خواطر الخاسرين

18 ابريل 2015

الحلم يعوضنا تلك الخسارة على باب الحزب (Getty)

+ الخط -

لكي تعتدل موازيننا، نفسياً على الأقل، لا بد لنا من أحلام تأتينا نياماً. للأحلام درب خاص، وغاية خاصة جداً، والدنيا واسعة وعريضة ومشاغلها مربكة، وغاياتها تختلف يوماً عن آخر. ولذا، فالأحلام ضرورة لخواطرنا المكسورة.

انتصارات الدنيا تكلفنا الكثير في أوطاننا العربية، تكلفنا الوطن نفسه. أوطان عريضة تضيع وتُباد، من أجل أطماع حكّامها، لأنهم يريدونها لهم أبديةً، كالنهر وكالجبل وكالعسل والحدائق، لا يريدونها حلماً جميلاً مشتركا لهم وللآخرين. ولكن، يريدونها ضيعة لهم، والآخرون ما هم سوى (أهل كهف) يمرون على ضياعهم في الأحلام، أو مجرد صور على حوائط ممالكهم، لا كبشر من دم ولحم وأحلام، فيعطونهم كسرة أو عنقوداً من عنب، لكي تظل أحلامهم فقط مستمرة، ويعبرهم المحتاجون في الحياة كأحلام مؤقتة. ولذا، غالباً ما يرى المساكين أوطانهم في الأحلام فقط. (ألف ليلة وليلة) كلها ليست سوى أحلام مساكين وفقراء وعشّاق وصيادين وباحثين عن أمل، أو فرجة ضيقة، من أجل مصير أو دفة مركب أو خلاص من ظلم أو حبس في وطن أو قارورة أو غرفة مظلمةٍ، لا تصل إليها العفاريت.

في الأحلام فقط، نرى حبيباتنا وصديقاتنا، وغالباً نكون، في الواقع، قد فقدنا أصدقاءنا أو صديقاتنا، أو ماتت من كنا نتمنى محبتها، أو تعاني، هي الأخرى، مع واحد له تعاسة من نوع آخر أو سافرت. ولكن، تطل كل آن، في الحلم، كرما علينا، كي تعوضنا ضيق الوطن، وصعوبة، أو استحالة، العيش فيه.

الحلم يعوضنا تلك الخسارة. على (باب حزب) ما، كان قبلة النخبة في يومٍ ما، أيام كنا نحلم، وكانت الأحلام شبه مشروعة، رأيت هناك شجرة مائلة وضعيفة وشبه منكسرة، كحلم مكسور مزروع في الأسفلت، وعلى مقربة من الشجرة كلب، وبجوار الكلب فأر يتنمّر، وقرب المشهد أربع سيارات مليئة بالعساكر، وأربعة مقاعد على كل كرسي رتبة، والعساكر في ضيق السيارات الأربع يقتلون الوقت ببعض نكات وضحكات وسجائر، والأكشاك القريبة بلا زبائن.

في الصباح، حلمت حلما جميلاً، من ذلك الذي يرمي لنا بذور تلك الأحلام، يا ربي، كي تطول أيامنا أكثر من اللازم. الأحلام تعوضنا الخسارات في الوطن وفي الناس وفي العمل وفي كل ما اخترناه ضعفاً، أو فُرض علينا عنوة. وحدهم اللصوص، وخصوصاً لصوص الأوطان، هم من في يدهم الخريطة والحلم والمصير والحديقة.

أمس، كان جمال مبارك مع العصابة نفسها، في قلب ميدان التحرير، ببدلته نفسها، وبوقفته نفسها. وقد مال إلى الوراء في ثقة المنتصر، ومن أمامه مساكين المشهد كي يقدموا وضعاً مربكاً للناس، لا في أحلامهم فقط، بل في مجريات مصائرهم، وكأنهم يقولون لهم: ما حلمتم به كله ضاع الآن، أو علّه ضاع في اليوم التاسع عشر من يناير. ولكن، أجّل المخرج الكابوسي نتائج الفوز، حتى ليلة عزاء والدة مصطفى بكري، لكي يكون العزاء لائقاً بشعبٍ، قام بثورة فيها من الحلم في الابتداء، ومن مرارة الكوابيس وسوادها في المنتهى. أليست هذه كوابيس تليق بشعب قام بثورةٍ، لكي يعاقَب في قلب جامع عمر مكرم، مكان الثورة ومستشفى الثورة، ومكان الخطابة فيه، أي كابوس ذلك وأي وطن؟

لدقائق، نحلم بأن حبيباتنا معنا، ومن بعيد يشرن لنا، ومن كثرة الخيانات، وأنت في قلب الحلم، تدرك أن هذه مخاتلة النوم لك، لأن من كنت تحبه سافر أو ماتت، وأن الحزب التي رأيته، أمس، كان أكثر شاعرية من الواقع، لأن نصفهم، في الواقع، مات على أسرّة مستشفيات العسكر "حزانى"، ويحاول النصف الباقي جاهداً أن يحجز له مكانا للعلاج بالمجان في المستشفيات نفسها، وأن المشهد كله لا يربك أحدا سواك. ولذلك، تستمتع جدا بأحلامك في أوطانٍ عزّت الأحلام فيها. فقط الجديد والصالح للعمل صبح مساء هي سيارات ومدرعات ودبابات العسكر والمحاكمات القضائية، وكل الشجر مائل على حزنه، في بقعة باهتة من الأسفلت، وبجوار الشجرة كلب وفأر يتنمر.