يهددون بقصف مصر وتاريخها

يهددون بقصف مصر وتاريخها

05 مارس 2015
+ الخط -
من رحم "بارونات" المال والأعمال في مصر، ولد "جنرالات" الإعلام الفضائي، واخترعوا نمطاً عجيباً من البرامج التلفزيونية، قد لا تزيد قيمته، بالمعنى المهني للكلمة، عن قيمة اختراع "جهاز الدكتور عبد العاطي" سيئ الصيت، الذي قيل إنه سيخلص البشرية من أمراض خطرة، أهمها الإيدز، والتهاب الكبد الوبائي.
فأمام أعيننا، نبتت، ولا سيما بعد ثورة 25 يناير 2011، وسقوط حكم حسني مبارك، محطات إخبارية وترفيهية، يصعب عدُّها، أو متابعتها، جميعاً، لكنها تتشابه في انتهاجها بدعة تقديم المذيع "الجهبذ" الذي يتصدر الشاشة وحيداً، ساعة أو ساعتين، أو حتى ثلاث، وهو يهرف بما يعرف ولا يعرف، فيرغي، ويُزبد، في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن والقضاء والطب والعلوم، وكل ما قد يخطر على باله، دونما ضابط أو مسبار، بل دونما نديم، يضيف إليه، ويساعده، على منح حنجرته بعض حقها في الراحة.
وإن يكن "حكم العسكر" قد تبنى، منذ البدء، ما أصبح يُعرف، لاحقاً، بفضيحة استخدام "الكفتة" في علاج أحد أشد الأمراض فتكاً بالإنسان، فإن "جنرالات الفضائيات المصرية" ظلوا وقتاً ليس بالقصير، غامضي النسب، إلى حد ما. ولولا التسريبات الأولى لأحاديث قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، الذي طالما وصفه هؤلاء بـ "الذكر" وكذا ما ظهر، من شواهد وأدلة متتالية، على تلقي "الولاد" تعليماتهم من مدير مكتب الجنرال، لوجدت، ربما، من يجادل، حتى اللحظة، في استقلال الإعلام المصري، وتنوعه، وتعدديته.
أما وأن الخفايا قد تكشفت، بعد تأخُرٍ بدا مديداً، فلم يعد هناك مجال للإنكار بأن كفتة عبد العاطي، وكفتة فضائيات رجال الأعمال، فعلتا فعلهما، معاً، في مجتمع الفقر والمرض والجهل، فأسالتا لعاب الملايين، وقلبتا الرؤوس، كي يصير "الذكر" قميناً بـ "أم الدنيا".
صحيح أن المؤسسة العسكرية، والرسمية عموماً، تخلت، في وقت لاحق، عن المسكين عبد العاطي، باعتبار أن فضيحته "صارت بجلاجل" وفق التعبير المصري، غير أنها، ما زالت تعتقد، على ما يبدو، أن صناع الكفتة الآخرين لم ينته دورهم بعد، وأن لديهم ما يفعلونه، لاستكمال مهمات الانقلاب، إن في داخل مصر نفسها، أو في جوارها القريب.
ولو غضضنا النظر قليلاً، هنا، عن الجدل الدائر حول ظروف ومعطيات جريمة ذبح المصريين في ليبيا، كما حول الاتهامات الإعلامية والقضائية الموجهة إلى حركة حماس، كي نسترجع بعض فيديوهات الفضائيات المصرية، وهي متاحة بكثرة، على موقع "يوتيوب"، لاكتشفنا، من دون عناء، أن التلويح بنيات السيسي إرسال الطائرات الحربية المصرية لقصف ليبيا، وقصف قطاع غزة، ورد مبكراً جداً، على ألسن مذيعين معروفين بصلاتهم المشبوهة مع أجهزة أمن النظام الحاكم.
"حماس" هي التي قتلت الشهيد عز الدين القسام، قال أحد هؤلاء، أخيراً، في حملة التحريض المتصاعدة، على الفضائيات المصرية، وفي "قضائها الشامخ" فاضحاً بذلك جهله أن "المجني عليه المفترض" استشهد قبل ولادة حركة المقاومة الإسلامية بنصف قرن.

لكن هذا الجهل ليس فردياً، أو شخصياً تماماً. هو جزء من جهل أعم، وأطم، يعتقد المصابون به أن في وسع مصر استعادة دورها المفقود، عبر بوابات أخرى، سوى البوابة الفلسطينية التي يصرون على إغلاقها، فتراهم يصنفون حماس منظمة إرهابية، ويستقبلون، في الوقت نفسه، وفداً من الحوثيين الذين استولوا على السلطة في اليمن بالقوة، وباتوا يهددون بإيصال ذراع إيران الطويلة إلى مضيق باب المندب، لتتحكم في أحد أهم شرايين الاقتصاد المصري.
هي "كفتة" سياسية، بشكل ما، هذه التي ينهمك النظام المصري في صنعها، الآن، وهي "كفتة" ستكون فضيحتها أكبر وأخطر، من أن يستطيع حملها أي عبد العاطي آخر، بعد أن يرسل السيسي طائراته، لتقصف غزة، ذلك أنه سيدمر، حينئذ، من بين ما سيدمر، تاريخ مصر ومكانتها.







EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني