معركة تكريت صراع استراتيجيات

معركة تكريت صراع استراتيجيات

05 مارس 2015
+ الخط -

تكشف معركة تكريت وتحرير أرضها وأهلها من أسر احتلال تنظيم داعش أكثر من إشارة دالة على تحولات نوعية في الملف العراقي، وآفاق الصراع الاستراتيجي الأميركي الإيراني، بخصوص تفوق الحضور والإرادة في العراق والشرق الأوسط. وإذا كانت أولى الإشارات تعني إعادة بناء القوة العسكرية والأمنية العراقية، وترصين ثقتها بنفسها، وقدرتها القتالية المسنودة بحشود شعبية، وتأييد وطني شامل، فإن الصفحة الأخرى، المهمة والعميقة، تتجلى بوضع قدرات وإمكانات وسياسة كل من إيران وأميركا رهن الاختبار والتفوق، ليس في العراق وحسب، بل الملفات كافة، موضع التنافس والنزاع الإيراني – الأميركي.
قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، ستيف وارن، إن واشنطن "لم تشارك بأي شكل من الأشكال" في العملية التي شنتها القوات العراقية، من أجل استعادة مدينة تكريت من أيدي داعش"، ونقل عن المتحدث نفسه قوله "لا نشن غارات دعماً للعملية في محيط تكريت"، مشيراً إلى أنه يعتقد أن مليشيات شيعية تدعمها إيران شاركت في العملية العسكرية، وأوضح المتحدث أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يتلقوا طلباً من العراق، لشن غارات، دعماً للقوات الحكومية لاستعادة تكريت.
وعودةً إلى أوليات موضوع الصراع مع داعش، وتشكيل التحالف الدولي الذي أصرت أميركا وبعض دوله على "خطأ" إقصاء إيران عنه، فإن القراءة الأميركية السياسية والعسكرية لما يحدث في تكريت، تشكل تحدياً واقعياً للدور الأميركي الذي يواجه وجود داعش من الجو، في حضور بطيء وتعجيزي أحياناً، حين يضع سقفاً يمتد ثلاث سنين أو أكثر. بينما يعطي الدرس الإيراني تعريفاً صريحاً لقدراته بمسك الأرض، وتقديم خيرة جنرالاته والأسلحة والذخائر، للمشاركة بتحرير أرض العراق من داعش، في خطوة عبرت فيها بغداد عن بلوغها سن الرشد، حين خاضت المعركة من دون إشعار واشنطن، ولا ندري إن كان تحولاً جديداً في الموقف العراقي، أم هو إجراء احترازي، أرادته إيران أن يشكل عنصر صدمة للتقديرات الأميركية. وما هي التوقعات بشأن الموقف الأميركي بعد ذلك؟
انتصار القوات العراقية، المسنودة بدعم إيراني صريح وفاعل، في تحرير تكريت، يعطي إشارات عملية على تحرير كامل المدن، في زمن قياسي لا يتعدى الصيف المقبل، في حال استمرار ميزان المعركة، كما يحصل الآن، ما يجعل التحالف الدولي بقيادة أميركا يواجه عملياً بتصريح الاستغناء عن خدماته؟
هذا يعني انتصار الاستراتيجية الإيرانية، وتفوقها على الاستراتيجية الأميركية ما يجعل طموحات إيران وما تختزن من أهداف، تومض فيها أحلام الماضي مع شعاع الحاضر، تتسيد الراهن السياسي في العراق والشرق الأوسط، وهو ما يضع أميركا، صانعة الواقع السياسي للعراق الجديد، أمام اختيار جديد، يتمثل باستخدام القوة لانتزاع العراق من إيران، أو ربما هزيمة جديدة، وإحباط معلن لصفتها القوة العظمى في العالم. جدل المعارك ونتائجها، والسلوك الإيراني إزاء بعض القضايا الطائفية الحساسة في العراق، سوف تعطي لنا الإجابات العملية في الأيام المقبلة.

 

avata
avata
فلاح المشعل (العراق)
فلاح المشعل (العراق)